تعريف علم أصول الفقه
صفحة 1 من اصل 1
تعريف علم أصول الفقه
تعريف علم أصول الفقه:
ينظر علماء أصول الفقه إلى تعريف هذا العلم من زاويتين اثنتين هما:
أ - أنه مركب إضافي يتألف من كلمتين هما أصول، وفقه.
ب- أنه علم مستقل له أبحاث قائمة بذاتها.
وعلى ذلك يكون لعلم أصول الفقه تعريفان لدى العلماء، الأول من حيث إنه تركيب إضافي، والثاني من حيث إنه لقب لعلم قائم بذاته.
ولا بد من شرح هذين التعريفين للوقوف على حقيقة هذا العلم ومعرفة كنهه.
ونبدأ بشرح التعريف الإضافي:
شرح التعريف الإضافي لعلم أصول الفقه وبيان محترزاته:
نحن في تحليلنا لهذا التعريف أمام كلمات ثلاث لابد من تحليلها كل على حده، وهي: علم، وأصول، وفقه، فإن من مجموع معانيها يتضح معنى هذا العلـم.
معنى العلم في اللغة(1):
العلم في اللغة يقع على أحد معان ثلاثة، هـي:
1- المعرفة مطلقا، ومنه قول زهير بن أبي سلمى:
وأعلم علم اليوم والأمس قبله ولكنني عن علم ما في غد عـم
والمعرفة هذه تشمل اليقين والظن والشك والوهم.
2- اليقين، وهو القطع الذي ليس فيه احتمال للنقيض مطلقا ومنه قوله تعالى: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ)(محمد:19)، وعلى ذلك يخرج عنه الظن وما كان أدنى منه.
3- الشعور، ومنه قولهم: علمته وعلمت به، أي شعرت بوجوده أو دخوله.
والعلم إذا كان بمعنى المعرفة أو الشعور تعدى إلى مفعول واحد، وإذا كان بمعنى اليقين تعدى إلى مفعولين.
تعريف العلم في الاصطلاح:
يطلق العلم في الاصطلاح الشرعي على أحد معان ثلاثة أيضا، هي:
1- معرفة المسائل والأحكام والقضايا التي يبحث فيها العالم، سواء أكانت هذه المعرفة قاطعة أو مظنونة.
2- المسائل والقضايا التي يبحث فيها العالم نفسها، وعلى ذلك يقال: هذه البحوث من علم كذا، وتلك ليست من علم كذا، أي من باب إطلاق المصدر وإرادة المفعول، وهو (المعلوم).
3- القدرة العقلية المستفادة للعالم بنتيجة ممارسته قضايا العلم ومسائله.
فيقال: فلان صاحب علم، أي له ملكة يستطيع بها تفهم القضايا المعينة.
معنى الأصول لغــة(1):
الأصول في اللغة جمع أصل، وهو أسفل الشيء وأساسه، يقال: أصل الحائط ويقصد به الجزء الأسفل منه، ثم أطلق بعد ذلك على كل ما يستند ذلك الشيء إليه حسا أو معنى، فقيل أصل الابن أبوه، وأصل الحكم آية كذا أو حديث كذا، والمراد ما يستند إليه.
معنى الأصول في الاصطلاح الشرعي:
ويطلق الأصول في الاصطلاح على معان عدة، أهمهــا:
1- الدليل الشرعي، فيقال أصل وجوب الصوم قوله تعالى: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) (البقرة:185). أي دليله.
2- الراجح، كقولهم: القرآن والسنة أصل للقياس والإجماع، أي راجحان عليهما.
3- القاعدة، كقولنا: (الضرر يزال) أصل من أصول الشريعة، أي قاعدة من قواعدها.
4 - الحال المستصحب، كأن يقال: الأصل في الأشياء الطهارة، أي الحال المستصحب فيها كذلك.
5 - المسألة الفقهية المقيس عليها، كأن يقال: الخمر أصل لكل مسكر غيره. أي أن كل المسكرات فروع تقاس على الخمر.
والمعنى المراد للأصوليين من إطلاق كلمة أصل هو المعنى الأول، وهو الدليل، وعلى ذلك فإن معنى أصول الفقه هو أدلة الفقه، وقد قصره الأصوليين على الأدلة الإجمالية دون الأدلة التفصيلية التي تدخل في تعريف الفقه، كما سنرى، وسوف نبين الفرق بين الدليل الإجمالي والدليل التفصيلي قريبا بإذن الله تعالى.
معنى الفقه لغــة(1):
الفقه في اللغة الفهم مطلقا، وهو من باب تعب، ويأتي بالكسر والضم بالمعنى نفسه، فيقال: فقُه وفقِه، وقيل يأتي بالفتح بمعنى الفهم وبالضم بمعنى الاعتياد على الفهم، فيقال: فقِه إذا فهم، وفقُه إذا أصبح الفهم سجية له.
وقيل الفقه هو الفهم العميق الناتج عن التفكر والتأمل، لا مطلق الفهم، ويشهد له قوله تعالى على لسان موسى عليه السلام: (وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي) (طـه:27-28)، مع أن مطلق الفهم متيسر لهم بدون ذلك، مما دل على أن الفقه هو الفهم العميق لا مطلق الفهم.
معنى الفقه في الاصطلاح الشرعي:
عرف أبو حنيفة الفقه بأنه معرفة النفس مالها وما عليها، ولكن هذا التعريف يدخل الأحكام الاعتقادية فيه، وهي ليست من الفقه عند جمهور الفقهاء، ولذلك زاد الحنفية على هذا التعريف كلمة: (عملا) لإخراج الأحكام الاعتقادية، وأبو حنيفة في تعريفه السابق للفقه، قصد إلى إدراج الأحكام الاعتقادية في الفقه، وكان يعده كذلك، حتى إنه ألف كتابا في التوحيد سماه (الفقه الأكبر).
إلا أن المتأخرين من الفقهاء رأوا قصر الفقه على الأحكام العملية دون الاعتقادية تيسيرا على الدارسين، وذلك دون شك اصطلاح، ولا مشاحَّة في الاصطلاح.
وعرف الشافعية الفقه بأنه: (العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسبة من أدلتها التفصيلية)، وقد درج الأصوليون على اختيار تعريف الشافعية للفقه لما فيه من زيادة تفصيلية وتوضيحية لمعنى الفقه تتناوله بالتحليل، مع الإشارة إلى أنه مطابق لتعريف الحنفية للفقه ولا يخالفه، إلا في أنه ينص على ضرورة استخراج الحكم من الدليل، فلا تسمى معرفة الحكم فقها إلا إذا كانت هذه المعرفة تصل بين الحكم ودليله، وهي نقطة هامة حرية بالاعتبار، وإلا دخل كثير من العوام في زمرة الفقهاء، وهذا المعنى ملحوظ أيضا في تعريف الحنفية للفقه وإن لم ينص عليه لفظا.
هذا وقد أطلق الفقه أخيرا على الأحكام نفسها بعد أن كان عَلَما على العلم بهذه– الأحكام، ومنه قولهم: هذا كتاب فقه، أي يضم أحكاما فقهية، وذلك من باب إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول.
تحليل تعريف الفقه في الاصطلاح الشرعي:
العلم:
تقدم تفصيل معناه لغة وشرعا.
الأحكام:
جمع حكم، وهو في اللغة المنع والقضاء معا، يقال حكمت عليه كذا إذا منعته من خلافة، وحكمت بين القوم فصلت بينهـم.
والحكم في اصطلاح الأصوليين هو: (خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين اقتضاء أو تخييرا أو وضعا)، ويطلقه الحنفية على أثر الخطاب لا على الخطاب نفسه، وسيجيء مزيد تفصيل لهذا الموضوع في مبحث الحكم إن شاء الله تعالى.
وعلى ذلك يكون الحكم في معناه العام لدى الحنفية (الوصف الشرعي المتعلق بالفعل)، فيخرج بذلك الذوات والجمادات وغيرها.
الشرعيـــة:
ما كانت من قبل الشارع الحكيم، وهو الله تعالى، فيدخل في ذلك الأحكام الواردة عن طريق القرآن الكريم، لأنه كلام الله تعالى، وكذلك عن طريق السنة الشريفة الشريفة، لقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى) (النجم:3)، وكذلك ما كان منها عن طريق الإجماع والقياس وغيره من أدلة الشريعة، لثبوت حجية هذه الأدلة بالقرآن الكريم أو السنة الشريفة المطهرة كما هو معروف في بابه.
ويخرج بهذا القيد الأحكام اللغوية، كقولنا: الفاعل مرفوع، فإنه حكم لغوي وكذلك، – الأحكام العقلية والطبيعية وغيرها.
العمليـــة:
معناه ما يتعلق من الأحكام بأفعال العباد، فيخرج به ما يتعلق باعتقادهم، كالبحوث المتعلقة بوجود الله تعالى وصفاته والملائكة والكتب السماوية وغير ذلك من الأمور الاعتقادية التي أفرد الفقهاء لها علما مستقلا بها عرف بعلم الكلام أو علم التوحيد.
المكتسبة من الأدلـــة:
أي المأخوذة من الأدلة، فيخرج بذلك علم العوام فلا يعتبر من الفقه اصطلاحا، لخلوه عن معرفة الدليل.
التفصيليـــة:
هي الأدلة الجزئية المتعلقة بالمسائل الفرعية، كقولنا: قوله تعالى: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) (النساء:103). دليل تفصيلي لوجوب الصلاة، ويخرج بهذا الوصف الأدلة الإجمالية، كالقرآن الكريم والسنة الشريفة بجملتها، فإنهما مصدر للأحكام، ولكنهما مصدر عام غير متعلق بمسائل فرعية معينة.
شرح التعريف اللقبي لعلم أصول الفقــه:
عرف الشافعية علم أصول الفقه بالمفهوم اللقبي له بقولهم: (هو معرفة دلائل الفقه إجمالا، وكيفية الاستفادة منها، وحال المستفيد).
المعرفـــة:
معناها في اللغة العلم بالشيء بعد سبق الجهل به، ولا تكون إلا كذلك، بخلاف العلم، فإنه قد يكون كذلك فيكون مرادفا لها، وقد يكون تأكيدا لعلم سابق، أي إن بينهما عموما وخصوصا مطلقا، وقد ذكر الشافعية المعرفة هنا دون العلم للاحتراز عن علم الله تعالى القديم الذي لم يسبقه جهل أبدا.
دلائل الفقـــه:
هي أدلته، وفيه احتراز عن معرفة دلائل غير الفقه، كالنحو وغيره، وعن معرفة غير الأدلة، كمعرفة الفقه وغيره، والمراد بالأدلة الفقهية إجمالا هنا العلم بمصادر الفقه الإسلامي الأصولية منها والتبعية.
إجمــــالا:
فيه احتراز عن الأدلة التفصيلية، فهي ليست من علم الأصول، والفرق بين الأدلة الإجمالية والأدلة التفصيلية أن الأولى غير متعلقة بمسائل فرعية محددة، بخلاف الثانية. فقولنا (الأمر للوجوب) دليل إجمالي، لأنه غير متعلق بمسائل فرعية محددة، بخلاف الثانية. فقولنا: (الأمر للوجوب) غير متعلق بمسألة معينة، فهو دليل على وجوب الصلاة من قوله تعالى: (وأقيموا الصلاة) وهو دليل على وجوب الزكاة من قوله تعالى: (آتوا الزكاة)، وهكذا، أما الأدلة التفصيلية فهي متعلقة بأحكام فرعية محددة بذاتها، كقوله تعالى: (أقيموا الصلاة)، فإنه دليل على وجوب الصلاة دون غيرها.
وكيفية الاستفادة منهـــا:
أي كيفية استخراج الأحكام من أدلتها التفصيلية، فيدخل في ذلك كل أنواع الأصول تقريبا، لأنها ضوابط تبين كيفية استخراج الحكم الشرعي من دليله تفصيلي.
وحال المســتفيد:
يدخل في شروط من يصح تصديه لاستنباط الأحكام، وهي شروط الاجتهاد، ويفرق فيه بين المجتهد والمقلد وأحكام كل.
وعرف جمهور الفقهاء -وفيهم الحنفية والمالكية والحنبلية- أصول الفقه بأنه: (العلم بالقواعد الكلية التي يتوصل بها إلى استنباط الأحكام الشرعية العملية من أدلته التفصيلية).
تحليل تعريف الجمهــور:
العلم:
المراد به هنا المعرفة الحاصلة بطريق اليقين أو الظن، لأن بعض القواعد تكون ثابتة بطريق اليقين لقطعية الدليل ثبوتا ودلالة، وبعضها قد يثبت بطريق الظن نظرا لظنيه الدليل المثبت لها ثبوتا أو دلالة.
بالقواعد:
هي جمع قاعدة، وهي في اللغة الأساس، وفي الاصطلاح (الأمر الكلي المنضبط على جميع جزئياته) مثل قولهم: (الأمر للوجوب)، فإنه ضابط كلي غير مقتصر على حكم جزئي بعينه، بل تشمل كل أمر ورد عن الشارع، فعن طريقها عرفنا فرضية الصلاة والزكاة من قوله تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) (البقرة:43)، وعن طريقها عرفنا إلزامية العقد من قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (المائدة:1)، وهكذا كل أوامر الشارع، فإنها منضبطة بهذه القاعدة الأصولية.
وينبغي الانتباه هنا إلى أن معنى العلم بالقواعد إنما هو معرفتها من مصادرها، أي استنباطها من أدلتها وليس تطبيقاً على جزئياتها، فإن تطبيقها من مهمة الفقيه وليس من مهمة الأصولي.
الكلية:
في هذا احتراز عن الأدلة الفقهية التفصيلية، فإنها ليست من علم الأصول، مثل قوله تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) (البقرة:43)، فهو قاعدة جزئية تثبت وجوب الصلاة وليس قاعدة كلية، وذلك لارتباطه بحكم معين، بخلاف القواعد الكلية مثل قولهم: المطلق يبقى على إطلاقه حتى يظهر دليل التقييد، فإنها لا علاقة لها بحكم فرعي بعينه.
التي يتوصل بها إلى استنباط الأحكام:
يخرج بهذا القيد القواعد العقلية لأنها لا علاقة لها بالأحكام، وكذلك القواعد الفقهية التفصيلية التي لا تؤدي إلى استنباط الأحكام كقولهم: (الضرر يزال شرعاً) فإنها تضبط بضعة أحكام ولكنها لا تؤدي إلى استنباطها.
والأحكام: جمع حكم، وهو في اللغة القضاء، وأصله المنع، يقال حكمت عليه بكذا منعته من خلافه، ومنه قوله تعالى: (فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (البقرة:113)، أي يقضي، وهو في الاصطلاح الأصولي: (خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين اقتضاء أو تخييراً أو وضعاً)، أما في اصطلاح الفقهاء فهو: (أثر خطاب الله تعالى ..) دون الخطاب نفسه، فقوله تعالى: (وأقيموا الصلاة) هو الحكم عند الأصوليين، أما الفقهاء فلا يعتبرون ذلك هو الحكم، إنما الحكم عندهم هو الوجوب الناتج من هذا الخطاب.
الشرعية:
يخرج به كل الأحكام غير الشرعية، كالأحكام اللغوية والعقلية وغيرها، فقولنا الفاعل مرفوع حكم، ولكنه لغوي، ولذلك لا يدخل في علم الأصول.
من أدلته التفصيلية:
فيه احتراز عن الأدلة الإجمالية، فالأدلة الإجمالية هي المصادر التي تستنبط منها الأحكام، كالقرآن والسنة .. أما الأدلة التفصيلية فهي جزئيات هذه المصادر، مثل قوله تعالى: (وأقيموا الصلاة) فإنه دليل تفصيلي لحكم شرعي هو وجوب الصلاة.
ثم أصبح علم الأصول يطلق على القواعد الكلية نفسها بعد أن كان يطلق على العلم بها، فيقال: هذا كتاب في علم الأصول، أي يتضمن القواعد الخاصة بهذا العلم، مثل علم الفقه تماما، فبعد أن كان يطلق على العلم بالأحكام الشرعية العملية، أصبح عَلَماً على الأحكام الشرعية العملية نفسها.
ينظر علماء أصول الفقه إلى تعريف هذا العلم من زاويتين اثنتين هما:
أ - أنه مركب إضافي يتألف من كلمتين هما أصول، وفقه.
ب- أنه علم مستقل له أبحاث قائمة بذاتها.
وعلى ذلك يكون لعلم أصول الفقه تعريفان لدى العلماء، الأول من حيث إنه تركيب إضافي، والثاني من حيث إنه لقب لعلم قائم بذاته.
ولا بد من شرح هذين التعريفين للوقوف على حقيقة هذا العلم ومعرفة كنهه.
ونبدأ بشرح التعريف الإضافي:
شرح التعريف الإضافي لعلم أصول الفقه وبيان محترزاته:
نحن في تحليلنا لهذا التعريف أمام كلمات ثلاث لابد من تحليلها كل على حده، وهي: علم، وأصول، وفقه، فإن من مجموع معانيها يتضح معنى هذا العلـم.
معنى العلم في اللغة(1):
العلم في اللغة يقع على أحد معان ثلاثة، هـي:
1- المعرفة مطلقا، ومنه قول زهير بن أبي سلمى:
وأعلم علم اليوم والأمس قبله ولكنني عن علم ما في غد عـم
والمعرفة هذه تشمل اليقين والظن والشك والوهم.
2- اليقين، وهو القطع الذي ليس فيه احتمال للنقيض مطلقا ومنه قوله تعالى: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ)(محمد:19)، وعلى ذلك يخرج عنه الظن وما كان أدنى منه.
3- الشعور، ومنه قولهم: علمته وعلمت به، أي شعرت بوجوده أو دخوله.
والعلم إذا كان بمعنى المعرفة أو الشعور تعدى إلى مفعول واحد، وإذا كان بمعنى اليقين تعدى إلى مفعولين.
تعريف العلم في الاصطلاح:
يطلق العلم في الاصطلاح الشرعي على أحد معان ثلاثة أيضا، هي:
1- معرفة المسائل والأحكام والقضايا التي يبحث فيها العالم، سواء أكانت هذه المعرفة قاطعة أو مظنونة.
2- المسائل والقضايا التي يبحث فيها العالم نفسها، وعلى ذلك يقال: هذه البحوث من علم كذا، وتلك ليست من علم كذا، أي من باب إطلاق المصدر وإرادة المفعول، وهو (المعلوم).
3- القدرة العقلية المستفادة للعالم بنتيجة ممارسته قضايا العلم ومسائله.
فيقال: فلان صاحب علم، أي له ملكة يستطيع بها تفهم القضايا المعينة.
معنى الأصول لغــة(1):
الأصول في اللغة جمع أصل، وهو أسفل الشيء وأساسه، يقال: أصل الحائط ويقصد به الجزء الأسفل منه، ثم أطلق بعد ذلك على كل ما يستند ذلك الشيء إليه حسا أو معنى، فقيل أصل الابن أبوه، وأصل الحكم آية كذا أو حديث كذا، والمراد ما يستند إليه.
معنى الأصول في الاصطلاح الشرعي:
ويطلق الأصول في الاصطلاح على معان عدة، أهمهــا:
1- الدليل الشرعي، فيقال أصل وجوب الصوم قوله تعالى: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) (البقرة:185). أي دليله.
2- الراجح، كقولهم: القرآن والسنة أصل للقياس والإجماع، أي راجحان عليهما.
3- القاعدة، كقولنا: (الضرر يزال) أصل من أصول الشريعة، أي قاعدة من قواعدها.
4 - الحال المستصحب، كأن يقال: الأصل في الأشياء الطهارة، أي الحال المستصحب فيها كذلك.
5 - المسألة الفقهية المقيس عليها، كأن يقال: الخمر أصل لكل مسكر غيره. أي أن كل المسكرات فروع تقاس على الخمر.
والمعنى المراد للأصوليين من إطلاق كلمة أصل هو المعنى الأول، وهو الدليل، وعلى ذلك فإن معنى أصول الفقه هو أدلة الفقه، وقد قصره الأصوليين على الأدلة الإجمالية دون الأدلة التفصيلية التي تدخل في تعريف الفقه، كما سنرى، وسوف نبين الفرق بين الدليل الإجمالي والدليل التفصيلي قريبا بإذن الله تعالى.
معنى الفقه لغــة(1):
الفقه في اللغة الفهم مطلقا، وهو من باب تعب، ويأتي بالكسر والضم بالمعنى نفسه، فيقال: فقُه وفقِه، وقيل يأتي بالفتح بمعنى الفهم وبالضم بمعنى الاعتياد على الفهم، فيقال: فقِه إذا فهم، وفقُه إذا أصبح الفهم سجية له.
وقيل الفقه هو الفهم العميق الناتج عن التفكر والتأمل، لا مطلق الفهم، ويشهد له قوله تعالى على لسان موسى عليه السلام: (وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي) (طـه:27-28)، مع أن مطلق الفهم متيسر لهم بدون ذلك، مما دل على أن الفقه هو الفهم العميق لا مطلق الفهم.
معنى الفقه في الاصطلاح الشرعي:
عرف أبو حنيفة الفقه بأنه معرفة النفس مالها وما عليها، ولكن هذا التعريف يدخل الأحكام الاعتقادية فيه، وهي ليست من الفقه عند جمهور الفقهاء، ولذلك زاد الحنفية على هذا التعريف كلمة: (عملا) لإخراج الأحكام الاعتقادية، وأبو حنيفة في تعريفه السابق للفقه، قصد إلى إدراج الأحكام الاعتقادية في الفقه، وكان يعده كذلك، حتى إنه ألف كتابا في التوحيد سماه (الفقه الأكبر).
إلا أن المتأخرين من الفقهاء رأوا قصر الفقه على الأحكام العملية دون الاعتقادية تيسيرا على الدارسين، وذلك دون شك اصطلاح، ولا مشاحَّة في الاصطلاح.
وعرف الشافعية الفقه بأنه: (العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسبة من أدلتها التفصيلية)، وقد درج الأصوليون على اختيار تعريف الشافعية للفقه لما فيه من زيادة تفصيلية وتوضيحية لمعنى الفقه تتناوله بالتحليل، مع الإشارة إلى أنه مطابق لتعريف الحنفية للفقه ولا يخالفه، إلا في أنه ينص على ضرورة استخراج الحكم من الدليل، فلا تسمى معرفة الحكم فقها إلا إذا كانت هذه المعرفة تصل بين الحكم ودليله، وهي نقطة هامة حرية بالاعتبار، وإلا دخل كثير من العوام في زمرة الفقهاء، وهذا المعنى ملحوظ أيضا في تعريف الحنفية للفقه وإن لم ينص عليه لفظا.
هذا وقد أطلق الفقه أخيرا على الأحكام نفسها بعد أن كان عَلَما على العلم بهذه– الأحكام، ومنه قولهم: هذا كتاب فقه، أي يضم أحكاما فقهية، وذلك من باب إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول.
تحليل تعريف الفقه في الاصطلاح الشرعي:
العلم:
تقدم تفصيل معناه لغة وشرعا.
الأحكام:
جمع حكم، وهو في اللغة المنع والقضاء معا، يقال حكمت عليه كذا إذا منعته من خلافة، وحكمت بين القوم فصلت بينهـم.
والحكم في اصطلاح الأصوليين هو: (خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين اقتضاء أو تخييرا أو وضعا)، ويطلقه الحنفية على أثر الخطاب لا على الخطاب نفسه، وسيجيء مزيد تفصيل لهذا الموضوع في مبحث الحكم إن شاء الله تعالى.
وعلى ذلك يكون الحكم في معناه العام لدى الحنفية (الوصف الشرعي المتعلق بالفعل)، فيخرج بذلك الذوات والجمادات وغيرها.
الشرعيـــة:
ما كانت من قبل الشارع الحكيم، وهو الله تعالى، فيدخل في ذلك الأحكام الواردة عن طريق القرآن الكريم، لأنه كلام الله تعالى، وكذلك عن طريق السنة الشريفة الشريفة، لقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى) (النجم:3)، وكذلك ما كان منها عن طريق الإجماع والقياس وغيره من أدلة الشريعة، لثبوت حجية هذه الأدلة بالقرآن الكريم أو السنة الشريفة المطهرة كما هو معروف في بابه.
ويخرج بهذا القيد الأحكام اللغوية، كقولنا: الفاعل مرفوع، فإنه حكم لغوي وكذلك، – الأحكام العقلية والطبيعية وغيرها.
العمليـــة:
معناه ما يتعلق من الأحكام بأفعال العباد، فيخرج به ما يتعلق باعتقادهم، كالبحوث المتعلقة بوجود الله تعالى وصفاته والملائكة والكتب السماوية وغير ذلك من الأمور الاعتقادية التي أفرد الفقهاء لها علما مستقلا بها عرف بعلم الكلام أو علم التوحيد.
المكتسبة من الأدلـــة:
أي المأخوذة من الأدلة، فيخرج بذلك علم العوام فلا يعتبر من الفقه اصطلاحا، لخلوه عن معرفة الدليل.
التفصيليـــة:
هي الأدلة الجزئية المتعلقة بالمسائل الفرعية، كقولنا: قوله تعالى: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) (النساء:103). دليل تفصيلي لوجوب الصلاة، ويخرج بهذا الوصف الأدلة الإجمالية، كالقرآن الكريم والسنة الشريفة بجملتها، فإنهما مصدر للأحكام، ولكنهما مصدر عام غير متعلق بمسائل فرعية معينة.
شرح التعريف اللقبي لعلم أصول الفقــه:
عرف الشافعية علم أصول الفقه بالمفهوم اللقبي له بقولهم: (هو معرفة دلائل الفقه إجمالا، وكيفية الاستفادة منها، وحال المستفيد).
المعرفـــة:
معناها في اللغة العلم بالشيء بعد سبق الجهل به، ولا تكون إلا كذلك، بخلاف العلم، فإنه قد يكون كذلك فيكون مرادفا لها، وقد يكون تأكيدا لعلم سابق، أي إن بينهما عموما وخصوصا مطلقا، وقد ذكر الشافعية المعرفة هنا دون العلم للاحتراز عن علم الله تعالى القديم الذي لم يسبقه جهل أبدا.
دلائل الفقـــه:
هي أدلته، وفيه احتراز عن معرفة دلائل غير الفقه، كالنحو وغيره، وعن معرفة غير الأدلة، كمعرفة الفقه وغيره، والمراد بالأدلة الفقهية إجمالا هنا العلم بمصادر الفقه الإسلامي الأصولية منها والتبعية.
إجمــــالا:
فيه احتراز عن الأدلة التفصيلية، فهي ليست من علم الأصول، والفرق بين الأدلة الإجمالية والأدلة التفصيلية أن الأولى غير متعلقة بمسائل فرعية محددة، بخلاف الثانية. فقولنا (الأمر للوجوب) دليل إجمالي، لأنه غير متعلق بمسائل فرعية محددة، بخلاف الثانية. فقولنا: (الأمر للوجوب) غير متعلق بمسألة معينة، فهو دليل على وجوب الصلاة من قوله تعالى: (وأقيموا الصلاة) وهو دليل على وجوب الزكاة من قوله تعالى: (آتوا الزكاة)، وهكذا، أما الأدلة التفصيلية فهي متعلقة بأحكام فرعية محددة بذاتها، كقوله تعالى: (أقيموا الصلاة)، فإنه دليل على وجوب الصلاة دون غيرها.
وكيفية الاستفادة منهـــا:
أي كيفية استخراج الأحكام من أدلتها التفصيلية، فيدخل في ذلك كل أنواع الأصول تقريبا، لأنها ضوابط تبين كيفية استخراج الحكم الشرعي من دليله تفصيلي.
وحال المســتفيد:
يدخل في شروط من يصح تصديه لاستنباط الأحكام، وهي شروط الاجتهاد، ويفرق فيه بين المجتهد والمقلد وأحكام كل.
وعرف جمهور الفقهاء -وفيهم الحنفية والمالكية والحنبلية- أصول الفقه بأنه: (العلم بالقواعد الكلية التي يتوصل بها إلى استنباط الأحكام الشرعية العملية من أدلته التفصيلية).
تحليل تعريف الجمهــور:
العلم:
المراد به هنا المعرفة الحاصلة بطريق اليقين أو الظن، لأن بعض القواعد تكون ثابتة بطريق اليقين لقطعية الدليل ثبوتا ودلالة، وبعضها قد يثبت بطريق الظن نظرا لظنيه الدليل المثبت لها ثبوتا أو دلالة.
بالقواعد:
هي جمع قاعدة، وهي في اللغة الأساس، وفي الاصطلاح (الأمر الكلي المنضبط على جميع جزئياته) مثل قولهم: (الأمر للوجوب)، فإنه ضابط كلي غير مقتصر على حكم جزئي بعينه، بل تشمل كل أمر ورد عن الشارع، فعن طريقها عرفنا فرضية الصلاة والزكاة من قوله تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) (البقرة:43)، وعن طريقها عرفنا إلزامية العقد من قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (المائدة:1)، وهكذا كل أوامر الشارع، فإنها منضبطة بهذه القاعدة الأصولية.
وينبغي الانتباه هنا إلى أن معنى العلم بالقواعد إنما هو معرفتها من مصادرها، أي استنباطها من أدلتها وليس تطبيقاً على جزئياتها، فإن تطبيقها من مهمة الفقيه وليس من مهمة الأصولي.
الكلية:
في هذا احتراز عن الأدلة الفقهية التفصيلية، فإنها ليست من علم الأصول، مثل قوله تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) (البقرة:43)، فهو قاعدة جزئية تثبت وجوب الصلاة وليس قاعدة كلية، وذلك لارتباطه بحكم معين، بخلاف القواعد الكلية مثل قولهم: المطلق يبقى على إطلاقه حتى يظهر دليل التقييد، فإنها لا علاقة لها بحكم فرعي بعينه.
التي يتوصل بها إلى استنباط الأحكام:
يخرج بهذا القيد القواعد العقلية لأنها لا علاقة لها بالأحكام، وكذلك القواعد الفقهية التفصيلية التي لا تؤدي إلى استنباط الأحكام كقولهم: (الضرر يزال شرعاً) فإنها تضبط بضعة أحكام ولكنها لا تؤدي إلى استنباطها.
والأحكام: جمع حكم، وهو في اللغة القضاء، وأصله المنع، يقال حكمت عليه بكذا منعته من خلافه، ومنه قوله تعالى: (فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (البقرة:113)، أي يقضي، وهو في الاصطلاح الأصولي: (خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين اقتضاء أو تخييراً أو وضعاً)، أما في اصطلاح الفقهاء فهو: (أثر خطاب الله تعالى ..) دون الخطاب نفسه، فقوله تعالى: (وأقيموا الصلاة) هو الحكم عند الأصوليين، أما الفقهاء فلا يعتبرون ذلك هو الحكم، إنما الحكم عندهم هو الوجوب الناتج من هذا الخطاب.
الشرعية:
يخرج به كل الأحكام غير الشرعية، كالأحكام اللغوية والعقلية وغيرها، فقولنا الفاعل مرفوع حكم، ولكنه لغوي، ولذلك لا يدخل في علم الأصول.
من أدلته التفصيلية:
فيه احتراز عن الأدلة الإجمالية، فالأدلة الإجمالية هي المصادر التي تستنبط منها الأحكام، كالقرآن والسنة .. أما الأدلة التفصيلية فهي جزئيات هذه المصادر، مثل قوله تعالى: (وأقيموا الصلاة) فإنه دليل تفصيلي لحكم شرعي هو وجوب الصلاة.
ثم أصبح علم الأصول يطلق على القواعد الكلية نفسها بعد أن كان يطلق على العلم بها، فيقال: هذا كتاب في علم الأصول، أي يتضمن القواعد الخاصة بهذا العلم، مثل علم الفقه تماما، فبعد أن كان يطلق على العلم بالأحكام الشرعية العملية، أصبح عَلَماً على الأحكام الشرعية العملية نفسها.
جواد- عضو نشيط
-
تاريخ التسجيل : 14/01/2010
مواضيع مماثلة
» مراجع في علم أصول الفقه
» ملخص عن مادة أصول الفقه
» أصول الفقه : أسئلة وأجوبتها
» علم أصول التفسير 02
» علم أصول التفسير 01
» ملخص عن مادة أصول الفقه
» أصول الفقه : أسئلة وأجوبتها
» علم أصول التفسير 02
» علم أصول التفسير 01
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى