كتابة التاريخ الاسلامي بين الانصاف والتعسف
صفحة 1 من اصل 1
كتابة التاريخ الاسلامي بين الانصاف والتعسف
بسم الله الرحمن الرحيم
كتابة التاريخ الاسلامي بين الانصاف والتعصب
اعداد: الدخلاوي علال
مقدمة:
لما كان التاريخ مرآة الأمم يعكس ماضيها ويترجم حاضرها وتستلهم من خلاله مستقبلها كان من الاهمية بمكان الاهتمام بهذا التاريخ والحفاظ عليه ونقله الى الاجيال نقلا صحيحا بحيث يكون نبراسا وهاديا لهم في حاضرهم ومستقبلهم فالشعوب التي لا تاريخ لها لا وجود لها اذ به قوام الامم تحيا بوجوده وتموت بانعدامه
ونظرا لاهمية التاريخ في حياة الامم فقد لجأ اعداء هذه الامة فيما لجؤوا اليه الى تاريخ هذه الامة لتفريق جمعها وتشتيت أمرها وتهوين شأنها فأدخلو فيه ما افسد كثيرا من الحقائق وقلب كثيرا من من الوقائع وأقاموا تاريخا يوافق أغراضهم ويخدم مآربهم ويحقق أطماعهم وهذا ما دفع كثيرا من العلماء الى القول بضرورة اعادة كتابة التاريخ الاسلامي وتمييز المقبول من المردود منه وما يصلح للاعتماد وما لايصلح .
وهذه مساهمة مني متواضعة في التأكيد على هذا الاتجاه والغرض منها تنوير القراءالكرام بأهمية الوعي بالتاريخ وضرورة التسلح بالادوات اللازمة لفهم هذا التاريخ واعتماد النظر في المرويات التاريخية التي يحمل الكثير منها سموما مدسوسة في عدة صور وعدة اشكال فاذا لم يميز القارئ لهذا التاريخ بين ما يصح الاعتماد عليه وما لايصح وقع في الهلاك وخاصة فيما يتعلق بأخبار الصحابة واخبار الفتنة ومقتل الحسين وهكذا وأسأل الله في هذا كله التوفيق والسداد والرشاد
كتابة التاريخ بين المنصفين والمتعصبين:
يقول الدكتور محب الدين الخطيب في تعليقاته على كتاب العواصم من القواصم :
" ان التاريخ الاسلامي لم يبدأ تدوينه الابعد زوال بني امية وقيام دول لا يسر رجالها التحدث بمفاخر ذلك الماضي ومحاسن أهله
فتولى تدوين تاريخ الاسلام ثلاث طوائف :
طائفة كانت تنشد العيش والجدة من التقرب الى مبغضي بني أمية بما تكتبه وتؤلفه
وطائفة ظنت أن التدين لايتم ولا يكون التقرب الى الله الا بتشويه سمعة أبي بكر وعمر وعثمان وبني عبد شمس جميعا
وطائفة ثالثة من اهل الدين الانصاف كالطبري وابن عساكر وابن كثير رأت من الانصاف والدين ان تجمع اخبار الاخباريين من جميع المذاهب والمشارب."
فكما هو معلوم ان التاريخ الاسلامي لم يدون الا متأخرا وهذا ما اشار اليه الخطيب بقوله : "الا بعد زوال بني امية" ودولة بني امية لم تسقط الا قرابة منتصف القرن الثاني الهجري وبالضبط سنة (132هجرية الموافق750 ميلادية) اي ان كتابة التاريخ لم تبدأ الا مع قيام الدولة العباسية التي كان بينها وبين الدولة الاموية عداء شديد وهذا ما اشار اليه بقوله :" وقيام دول لايسر رجاله التحدث بمفاخر ذلك الماضي ومحاسن اهله" وهذا العداء بين الدولتين ظهر جليا في عدة مجالات ومن بينها كتابة التاريخ فكان المؤرخ الخاضع لسلطة الدولة العباسية او الموالي لها اذا ترجم للدولة العباسية مجد ومدح ورفع من شأنها واذا ترجم للدولة الاموية وصفها بأقذع الاوصاف واشنعها ولذلك نجد مثلا المؤرخ اليعقوبي وهو مؤرخ شيعي لما كتب في التاريخ عرضه من وجهة النظر الشيعية المتعصبة حيث انه لم يعترف بالخلافة الا لعلي رضي الله عنه وأبنائه حسب تسلسل الائمة عند الشيعة ووصف عليا بانه الوصي حسب معتقدهم الذي سنه لهم ابن السوداء ابن سبأ فقد كان اول من قال بالوصية وقال بالرجعة ولما ترجم اليعقوبي لابي بكر وعمر لم يصفهم بوصف الخلافة ولم يترك واحدا من الصحابة الا وقد نال منه وطعن فيه ولما عرض لخبر السقيفة عرضه عرضا مشينا حيث ادعى فيه انه حصلت مؤامرة لسلب الخلافة من علي رضي الله عنه
ولما عرض للدولة الاموية وصف خلفاءها بالملوك ولما ترجم للدولة العباسية وصف قادتها بالخلفاء ووصف الدولة العباسية بالدولة المباركة
ولهذا كان كتابه في التاريخ نموذجا على الانحراف الحاصل في كتابة التاريخ وأن من اهم عوامل انحراف الكتابة في التاريخ التعصب والميل الذي لم يسلم منه الا قلة قليلة من المؤرخين يقول الامام الذهبي : وما زال هذا ـ التعصب ـ في كل دولة قائمة يصف المؤرخ محاسنها ويغضي عن مساوئها.
ولهذا كان من بين الشروط التي يجب توافرها في المؤرخ عدم التعصب المذهبي ولا السياسي يقول ابن السبكي وهو من نقاد التاريخ : ولابد ان يكون المؤرخ عالما عدلا عارفا بحال من يترجمه ليس بينه وبينه من الصداقة ما قد يحمله على التعصب له ولا من العداوة ما قد يحمله على الغض منه وربما كان الباعث له على الغض من قوله مخالفة العقيدة .
ولقد كان الدكتور الخطيب دقيقا في تقسيمه للطوائف التي تعرضت للكتابة في التاريخ الاسلامي حيث جعلهم ثلاثة طوائف طائفة كتبت التاريخ تزلفا وتقربا للخلفاء العباسيين او رهبة من سطوتهم فكانوا يمجدون الدولة العباسية وخلفائها وينتقصون من قدر الدولة الاموية وخلفائها وطائفة ثانية كتبت التاريخ من وجهة نظرها العقدية المنحرفة وخاصة طائفة الشيعة التي سار مؤرخوها في الاتجاه المعادي للصحابة وخاصة ابي بكر وعمر وعثمان وكل من ينتمي الى بني امية وانه لا دين تام ولا تقرب الى الله الا ببغض الصحابة ولعنهم وسبهم والطعن في عرض ام المؤمنين عائشة رضي الله عنها
وطائفة ثالثة لم تمل مع هذا الاتجاه ولا ذاك بل تجردت من جميع الميول والاهواء والخضوع للسلاطين لارغبة ولا رهبة وكتبت التاريخ بنظرة حيادية متسلحة في ذلك بالمنهج الحديثي القائم على سرد المرويات التاريخية بالاسانيد وممن يمثل هذا الاتجاه في كتابة التاريخ الامام الطبري في كتابه تاريخ الامم والملوك وكذلك الامام ابن كثير في كتابه البداية والنهاية والامام ابن عساكر والامام ابن الاثير وغيرهم من الذين كتبوا في التاريخ من باب الحرص على الدين و الانصاف للتاريخ الاسلامي الذي ظلم على ايدي كثير من الكتاب الغير منصفين ومن الذين لا دراية لهم بالصناعة التاريخية والحديثية كالقصاص وأهل الآداب يقول الامام ابو بكر ابن العربي :
وانما ذكرت لكم ذلك لتحذروا من الخلق لا سيما المؤرخين والمفسرين واهل الآداب فانهم اهل جهالة بحرمات الدين او على بدعة مصرين فلا تبالوا بما رووا فانهم ينشئون احاديث في استحقار الصحابة والاستخفاف بهم واختراع الاسترسال في الاقوال والافعال وخروج مقاصدهم عن الدين الى الدنيا وعن الحق الى الهوى .
ويقصد بالمؤرخين والمفسرين واهل الآداب هنا الذين لا دراية لهم بالصناعة الحديثية فتجدهم ينقلون من الاخبار ما لايصح لا سندا ولا متنا وما يباين المعقول او يخالف المنقول او يناقض الاصول وقديما قال ابن الجوزي :اذا رأيت الحديث يباين المعقول او يخالف المنقول او يناقض الاصول فاعلم أنه موضوع. وهذه قواعد سار عليها الائمة النقاد في تمييز الاخبار ونظمها الامام السيوطي بقوله :
وقـــال بعض العلـــماء الكمل()احكـــم بوضع خبر ان يــنجلي
قـد بايــن المـعقول او منــقولا()خالــــفه او ناقض الاصولا
ولهذا حكم الائمة على كثير من الاخبار بالوضع وردها ولم يعتبروها في الاعتماد ولا في الاستدلال وان ذكروها في كتبهم من باب الاستئناس فقد كان الائمة اذا رووا في الاحكام تشددوا واذا رووا الفضائل تساهلوا يقول الامام احمد :اذا روينا عن رسول الله في الحلال والحرام والسنن والاحكام تشددنا في الاسانيد واذا روينا في فضائل الاعمال وما لا يضع حكما ولا يرفعه تساهلنا في الاسانيد.
ولقد كان من منهج الامام الطبري في تاريخه ذكر الاخبار مسندة الى رواتها والتزم هذا في جميع الاخبار التي رواها يقول في مقدمة كتابه : "فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين مما يستنكره قائله او يستشنعه سامعه من اجل انه لم يعرف له وجها في الصحة ولا معنى في الحقيقة فليعلم انه لم يؤت في ذلك من قبلنا وانما اوتي من بعض ناقليه الينا وانا انما ادينا ذلك على نحو ما ادي الينا" .
وبصنيعه هذا اجاب على بعض المنتقدين له على ادراجه في كتابه مرويات غير صحيحة فاعتبر انه بذكره لاسانيد المرويات قد برئ من العهدة على قاعدة من "اسند اليك فقد فقد برئ من العهدة "وانما العهدة على من يتلقى الخبر فعليه البحث في المروي ومن رواه وبذلك سهل رحمه الله على الباحثين التمييز بين الروايات المقبولة والمردودة فما عليهم الا الرجوع الى كتب الرجال والى اقوال ائمة الجرح والتعديل في الرواة المتهمون كأبي مخنف لوط ابن يحيى الشيعي وسيف ابن عمر ونصر ابن مزاحم النقري واحمد ابن اسحاق اليقوبي ومحمد ابن السائب الكلبي وابنه شهام وغيرهم من الرواة والمؤرخون الذين اشتهروا بتشيعهم وتعصبهم الذميم ووضعهم للاخبار والتصرف فيها بالزيادة والنقص على حسب ما يوافق اغراضهم وتوجههم
فكتاب نهج البلاغة مثلا للشريف الرضا كتاب موضوع ومنسوب زورا الى علي رضي الله عنه يقول فيه الامام الذهبي : من طالع نهج البلاغة جزم بانه مكذوب على امير المؤمنين . وهو كتاب وضعته الشيعة وشرحه ابن ابي الحديد وزاد في اباطيله ومثله كتاب الامامة والسياسة فهو من وضع الشيعة ونسبوه الى الامام ابن قتيبة الدينوري لشهرته بين اهل السنة وكذلك كتاب فتوح الشام المنسوب للواقدي
ولهذا كان من بين القواعد التي وضعها الائمة في التمييز بين المقبول والمردود من الاخبار موافقة الخبر لمذهب الراوي وهو مغال فيه فاذا روى احد المؤرخين خبرا يوافق مذهبه وظهرت عليه امارات الغلو والتعصب رد ذلك الخبر ومثال ذلك الاخبار التي يرويها الروافض في ذم بني امية او مدح آل البيت ومن والاهم قال السيوطي : ومن القرائن كون الراوي رافضيا والحديث في فضل آل البيت .
ومثال ذلك خبر ان النبي صلى الله عليه وسلم قال اذا رايتم معاوية يخطب على منبري فاقتلوه .فعلامات التعصب بادية منه فراوي هذا الخبر وهو عباد ابن يعقوب ابن الحكم يقول فيه ابن عدي :وعباد فيه غلو في التشيع وروى احاديث انكرت عليه في الفضائل والمثالب ,وقال صالح ابن محمد :كان يشتم عثمان وسمعته يقول :الله اعدل من ان يدخل طلحة والزبير الجنة لانهما بايعا عليا ثم قتلاه.وهذا كله من نسج هؤلاء الروافض الشيعة الذين لا يتورعون عن الكذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن صحابته الكرام واتهامهم بما نزههم الله عنه يقول ابن تيمية رحمه الله :وقد اتفق اهل العلم بالنقل والرواية والاسناد على ان الرافضة اكذب الطوائف والكذب فيهم قديم ولهذا كان الائمة يعلمون امتيازهم بكثرة الكذب .
وأخيرا اختم فأقول:
ان تاريخنا الإسلامي بحاجة إلى رجال أمناء حريصين على تاريخ أمتهم ويعرفون خطط أعدائهم وكيدهم المستمر، ويتلقون العلم من مصادره الصحيحة والمأمونة، ويتبعون في البحث والتحقيق منهجاً علمياً رصيناً، ولا يقبلون قولاً بغير دليل، ويفحصون كل ما يقدم لهم؛ حتى لا يقعوا فريسة لكيد أعدائهم.
الدخلاوي علال- عضو نشيط
-
تاريخ التسجيل : 28/09/2012
مواضيع مماثلة
» مفهوم الفكر الاسلامي 01
» مفهوم الفكر الاسلامي 02
» بعض المراجع في الفكر الاسلامي
» نظرية العقود في الفقه الاسلامي
» أهمية دراسة التاريخ
» مفهوم الفكر الاسلامي 02
» بعض المراجع في الفكر الاسلامي
» نظرية العقود في الفقه الاسلامي
» أهمية دراسة التاريخ
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى