ضوابط الحوار في الإسلام
صفحة 1 من اصل 1
ضوابط الحوار في الإسلام
بسم الله الرحمين الرحيم
ضوابط الحوار في الإسلام
كان الحوار وما زال دعامة من الدعائم الأساسية لتحقيق التواصل و التفاهم بين الناس عامة،فضلا عن أنه من القنوات الفعالة للانفتاح على الآخر وتبادل الأفكار و الآراء معه ،أما فيما يخص المسلمين ،فإننا نجد أن للحوار مكانة خاصة في الشريعة الإسلامية باعتباره الوسيلة الأنجع لإظهار الحق و الدفاع عنه و الدعوة إلى دين الله عز و جل و نصرة الإسلام، يقول تعالى: ﴿ ادع إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي أحسن ﴾ النحل:125،ويقول عز و جل : ﴿ ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله و عمل صالحا و قال إنني من المسلمين ﴾ فصلت: 33 ،و من أجل تحقيق هذه المقاصد العليا نجد بأن الشريعة الإسلامية قد أصلت لهذا الحوار البناء الذي ننشده ،تأصيلا منهجيا وعمليا،ينبني على ضوابط وآداب و سلوكيات محددة، فصار المسلمون مطالبين بمعرفتها والتحلي بـها و التزام العمل بها سواء اتجاه بعضــهم البعض أو اتجاه أهـل الديانات و المذاهب المختلفــة ، خصوصا في ظل الظروف الراهنة التي تحفل بتدافعـات فكرية و اختلافات ثقافية تستدعي منا إثبات وجودنا كمسلمين ،وإعطاء النموذج الأمثل للمسلم الحقيقي كما سنه لنا الرسول صلى الله عليه و سلم و الصحابة الكرام ، و تصحيح الصورة السلبية التي تشيعها وسائل الإعلام الغربية عن المسلمين،و بما أن الاختلاف و التنوع في الجنس و الدين واللون و اللغة و الفكر،يعتبر سنة من سنن الله في خلقه ،يقول تعالى : ﴿ومن آياته خلق السموات و الأرض واختلاف ألسنتكم و ألوانكم ﴾ الروم: 22،فان ذلك يقتضي من البشر عموما فتح جسور التواصل والتعارف وتبادل المنافع و المصالح عن طريق حوارات هادفة تنطلق مما هو مشترك فأصلنا واحد، وهو آدم عليه السلام يقول صلى الله عليه و سلم: " كلكم لآدم و آدم من تراب" و يقول تعالى : ﴿ كان الناس أمة واحدة فاختلفوا﴾ البقرة:213 ،لذلك نجد القرآن الكريم كثيرا ما يخاطب بصيغة العموم من قبيل: " ياأيها الناس" و " يابني آدم" كما نجده يذكر أهل الكتاب، في مقام الدعوة إلى الحنيفية السمحة، بالأصل الذي يجمعنا معهم وهو رسالة إبراهيم عليه السلام، يقول عز و جل: ﴿ وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا و ما كان من المشركين﴾ البقرة:135ضوابط الحوار في الإسلام
فديننا بالدرجة الأولى دين حوار وتعايش و احترام للآخر،وليس دين تعصب و خصومة وانغلاق، كما تروج له للأسف كثير من الجهات المناوئة، قال تعالى:﴿ يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير﴾ الحجرات:13، فالتعارف يقتضي بالأساس ربط جسور الحوار بين الشعوب.
والأمة الإسلامية تحكم علاقاتها و تحاوراتها قواعد تقوم على أساسها صحة كل علاقة و سلامة كل حوار، قال تعالى:﴿ وأن احكـم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهـــم و احذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فان تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعــض ذنوبهم و إن كثيرا مـن الناس لفاسقون ﴾ المائدة :49.والمسلمون و هم يعرضون مبادئ و تعاليم الإسلام على الناس تحكمهم قـيم و آداب لا ينبـغي لهـم تجاوزها ، و لا يصح معها التنقيص من معتقدات الآخرين، و هذا صريح في قوله تعالى: ﴿ و لا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم ﴾ الأنعام: 108،و قوله عز و جل: ﴿ يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم لا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ﴾ الحجرات:11 ،و يقول عليه الصلاة و السلام: "ليس المؤمن بطعان و لا بلعان و لا الفاحش البذيء" أخرجه أحمد و الطبراني.
إن المجتمعات الإسلامية وفق تعاليم الإسلام و قيمه مأمورة بالتزام العدل و إنصاف الناس مع وجود الاختلاف في العقيدة و قيام الخصومة و الشحناء بينهم،حيث يقول الله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى إن الله خبير بما تعملون ﴾ المائدة:8 و يقرر الإسلام مبدأي الرفق و اللين في الدعوة إلى الله ، يقول تعالى مخاطبا موسى و هارون عليهما السلام :﴿ اذهبا إلى فرعون انه طغى، فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى﴾ طه: 43-44 ،كما يأمرنا أن نجادل بالتي هي أحسن ، يقول عز و جل : ﴿ وجادلهم بالتي هي أحسن ﴾ النحل:125 ، ويقول تعالى: ﴿ ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن ﴾ العنكبوت:46
و الإسلام لا يسعى إلى إقصاء الآخر أو إكراهه ﴿ لا إكـراه في الدين ﴾ البقرة:256 ، وإنما يسعى إلى كلمة سواء بيننا و بينه وفق قناعة و رضا من الطرفين قال تعالى: ﴿ قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا و بينكم ألا نعبد إلا الله و لا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله ﴾ آل عمران :64 فالحوار الإسلامي هو الذي يجسد روح التوسط و الاعتدال التي تسود الفكر الإسلامي ، لأن أحكام الإسلام تنبذ التطرف و ترفض العنف و تركز على التوسط يقول تعالى:﴿وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء عـلى الناس و يكون الرسول علــيكـم شهيدا ﴾البقرة143.
وحتى يكون المحاور المسلم قدوة حسنة في تطبيق الرأي الراجح الذي يحاور لأجل إثباته و إقناع الطرف الآخربه ،لابد له من الالتزام بما يدعو إليه، فيكون داعية و محاورا بفعله قبل قوله،فان التزام المحاور بما يدعو إليه والحرص على العمل به هو أكبر دليل على اقتناعه به ويقينه و على القدرة على إقناع الآخرين به، ويكفي المحاور حثا على الالتزام بما يحاور فيه،و تحذيرا له من مخالفة القول للعمل ،إنكـار الله تعالى على بني إسرائيـل ،حيـث قال تعالى : ﴿أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم وأنتـم تتلون الكتاب أفلا تعقـلون ﴾ البقرة :44 ،وقوله عز و جل : ﴿يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون،كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون﴾ الصف:2- 3.
إن الإسلام حين يدعو إلى الحوار فانه يدعو في الوقت نفسه إلى التضامن العالمي بين كل الشعوب حتى تستطيع أن تتحمل معا المسؤولية عن مستقبل وسلام و استقرار هذا العالم.
ذ. طارق برغاني .
coeursimple- عضو نشيط
-
تاريخ التسجيل : 27/07/2011
مواضيع مماثلة
» ضوابط المصلحة في الإسلام
» من أحكام المولود في الإسلام
» الرضاع و أحكامه في الإسلام - 1
» الرضاع و أحكامه في الإسلام - 2
» من أحكام المولود في الإسلام
» الرضاع و أحكامه في الإسلام - 1
» الرضاع و أحكامه في الإسلام - 2
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى