الرضاع و أحكامه في الإسلام - 2
صفحة 1 من اصل 1
الرضاع و أحكامه في الإسلام - 2
ثانياً: عدد الرضعات التي يثبت معها التحريم:
وقد اختلف أهل العلم في العدد المحرم من الرضاع:
فذهب الإمامان مالك وأبو حنيفة رحمهما الله تعالى إلى أن قليل الرضاع وكثيره يحرم، وهذا القول هو رواية ثانية عن الإمام أحمد رحمه الله وإليه ذهب أيضاً ابن المسيب، والحسن، ومكحول، والزهري، ومالك، والأوزاعي، والثوري، والليث(1).
واحتجوا بقوله تعالى: ) وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة( [النساء 23] وهذا لفظ مطلق يفيد الإطلاق وعدم التقييد، وبقوله e: » يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب«(2)
وذهب داود الظاهري وابن المنذر، إلى أن أقل ما يحرّم ثلاث رضعات، وبه قال أبو ثور وأبو عبيد(3).
واستدلوا بمفهوم قولـه e: » لا تحرم المصة ولا المصتان «(4) وفي رواية عن أم الفضل بنت الحارث قالت: قال النبي e: » لا تحرم الإملاجة ولا الإملاجتان«(5) فمفهوم الحديث أن الثلاث تحرم.
وذهب الإمام الشافعي وأحمد رحمهما الله تعالى إلى أن التحريم لا يكون بأقل من خمس رضعات، وهو قول ابن حزم أيضاً(6).
واستدلوا بحديث عائشة رضي الله عنها قالت: »كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرّمن، ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وهنَّ فيما يقرأ من القرآن «(7).
الترجيح:
والراجح ما ذهب إليه الإمامان الشافعي وأحمد رحمهما الله تعالى لصريح ما استدلا به، وهو صحيح محكم، ومن آخر ما نقل عنه e في حياته.
ويجاب عن استدلال أبي حنيفة ومالك رحمهما الله تعالى:
أنه مطلق، وقد تقرر في الأصول من وجوب حمل المطلق على المقيد، فقوله تعالى: )وأخواتكم من الرضاعة(وكذا قـوله e: »يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب«مطلق، يحمل على المقيد بخمس لقول عائشة رضي الله عنها » ثم نسخن بخمس معلومات « .
ويجاب عن استدلال داود بأنه عمل بالمفهوم، والمفهوم يعمل به ما لم يخالف منطوقاً(1)، وقد خالف هنا المنطوق من حديث عائشة رضي الله عنها: »ثم نسخن بخمس معلومات«.
والله أعلم
حد الرضعة وشروطها
وإذا كان التحريم لا يتحقق إلا بخمس رضعاتٍ معلومات، فما هو حد الرضعة الواحدة وما هي شروطها؟
أولاً: حد الرضعة:
الرضعة هي المرة، فمتى التقم الصبي الثدي فامتص منه ثم تركه باختياره لغير عارض كان ذلك رضعة(1)، فأما إن قطع لضيق نفس، أو للانتقال من ثدي إلى ثدي ، أو لشيء يلهيه، أو قطعت عنه المرضعة، فإن لم يعد قريباً فهي رضعة، وإن عاد في الحال، فجميع ذلك رضعة واحدة على الراجح(2).
قال صديق حسن خان: الرضعة أن يأخذ الصبي الثدي فيمتص منه ثم يستمر على ذلك حتى يتركه باختياره لغير عارض(3).
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين: الرضعة ما كانت منفصلة عن أختها بزمن بيّن يظهر فيه الانفصال، وهذا هو اختيار ابن القيم، وشيخنا السعدي رحمه الله، وهو الأقرب للصواب، وبناءً على ذلك، لو تحول الطفل عن ثدي المرضعة لأنه سمع صوتاً أو حولته المرأة إلى ثديها الآخر، أو تركه لبكاء، فهذا لا يخرجها عن كونها رضعة، ولا يشترط أن تكون كل رضعةٍ في يوم، بل ربما تكون الرضعة الأولى في الساعة الواحدة، والرضعة الثانية في الساعة الثانية وهكذا(4).
ثانيا: شروط الرضعة:
يشترط في الرضعات أن تكون متفرقات، وبهذا قال الشافعي وأحمد(1).
وقد اختلف أهل العلم في شروط الرضعة في مسائل:
1ـ السعوط والوجور:
فالسعوط: أن يصب اللبن في أنفه من إناءٍ أو غيره.
والوجور: أن يُصب اللبن في حلقه صباً من غير الثدي.
فمذهب جمهور أهل العلم أنه يثبت به التحريم، وهو قول أبي حنيفة والشافعي وأحمد، والشعبي والثوري، وبه قال مالك في الوجور(2).
والقول الثاني: لا يثبت التحريم، وهو مذهب داود، لأن هذا ليس برضاع، وإنما حرم الله ورسوله بالرضاع.
وقد رجح ابن قدامة في المغني مذهب الجمهور فقال:
ولنا أن هذا يصل به اللبن إلى حيث يصل بالارتضاع، ويحصل به من إنبات اللحم وإنشاز العظم ما يحصل من الارتضاع، فيجب أن يساويه في التحريم. والأنف سبيل الفطر للصائم، فكان سبيلا للتحريم كالرضاع بالفم. قال: والذي يحرم من ذلك ما كان مثل الرضاع وهو خمس، فإن ارتضع وكمل الخمس بالوجور، أو أوجر وكمل الخمس برضاع ثبت التحريم(3).
2ـ إذا عُمِل اللبن جُبناً أو اختلط بالطعام:
ولو عُمِل اللبن جُبناً ثم أطعمه الصبي ثبت به التحريم عند الشافعي وأحمد، وقال أبو حنيفة لا يحرم به لزوال الاسم(4).
قال في الهداية: وإن اختلط بالطعام لم يتعلق به التحريم، وإن كان اللبن غالباً عند أبي حنيفة رحمه الله، وقالا – أي محمد ويعقوب -: إذا كان اللبن غالباً يتعلق به التحريم . ثم قال: لهما: أن العبرة للغالب كما في الماء إذا لم يغيرّه شيء عن حاله، ولأبي حنيفة رحمه الله: أن الطعام أصل، واللبن تابع له في حق المقصود فصار كالمغلوب، ولا معتبر بتقاطر اللبن من الطعام عنده هو الصحيح لأن التغذي بالطعام هو الأصل(1).
وأما اللبن المشوب بغيره ـ المخلوط ـ فهو كاللبن المحض الذي لم يخالطه شيء وذلك في قول عند الحنابلة(2) والقول الثاني: إن كان الغالب اللبن حرم وإلا فلا وهو قول أبي ثور والمزني، لأن الحكم للغالب(3) كما أنه قول الحنفية، قال في الهداية: وإن اختلط بالدواء واللبن غالب تعلق به التحريم، لأن اللبن يبقى مقصوداً فيه، إذ الدواء لتقويته على الوصول. وإذا اختلط اللبن بلبن الشاة وهو الغالب تعلق به التحريم(4).
3ـ الحقنة باللبن:
وأما الحقنة، فمذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد أنها لا تحرم، لأن هذا ليس برضاع ولا يحصل به التغذي فلم ينشر الحرمة(5).
ومذهب الشافعي أنها تحرِّم، وعن محمد بن الحسن الشيباني رحمه الله أنه تثبت به الحرمة كما يفسد به الصوم(6). وقد رجح ابن قدامة رحمه الله عدم التحريم لعدم إنبات اللحم وإنشاز العظم بذلك(7).
قال المطيعي في تكملة المجموع شرح المهذب(: (وقد سألنا ولدنا التقي الدكتور أسامة أمين فراج، فأجاب:
لو أعطينا الطفل حقنة اللبن من الشرج فإنه لا يتغذى منه الجسم إلا بنسبة ضئيلة في حالة بقائه في جوفه مدة طويلة، ولا تقاس بجانب ما يتعاطاه بفمه كيفاً وكماً، وأما إذا نزل منه في الحال فإنه لا يعود عليه منه ما يغذيه) . اهـ .
4ـ الحلب من نسوةٍ متعددات:
قال في المغني: وإن حلب من نسوةٍ وسقيه الصبي، فهو كما لو ارتضع من كل واحدة منهن، لأنه لو شيب بماء أو عسل لم يخرج عن كونه رضاعاً محرماً، فكذلك إذا شيب بلبن آخر(1).
5ـ إذا حلبت اللبن وسقته في أوقات متعددة:
قال في المغني: ولو حلبت في إناء دفعة واحدة ثم سقته في خمسة أوقات فهو خمس رضعات، وإن حلبت في إناء حلبات في خمسة أوقات ثم سقته دفعة واحدة، كان رضعة واحدة. قال: كما لو جُعل الطعام في إناء واحد في خمسة أوقات، ثم أكله دفعة واحدة، كان أكلة واحدة(2)، وهو قول عند الشافعية(3).
6- الارتضاع بلبن امرأة ميتة:
هل يشترط للتحريم بالرضاع أن تكون المرضعة حيةً أثناء الارتضاع، فإذا شرب لبنها بعد موتها لم يُحرِّم؟ اختلف الفقهاء في ذلك، فذهب الحنفية والحنابلة إلى أنه يُحِّرم لبن الميتة كما يحرِّم لبن الحيّة، لأن اللبن لا يموت، وهو قول أبي ثور والأوزاعي وابن القاسم وابن المنذر(4).
وذهب الشافعي إلى أنه لا ينشر الحرمة، وبه قال الخلاّل من الحنابلة، لأنه لبن ممن ليس بمحل للولادة فلم يتعلق به التحريم(5).
ورجح ابن قدامة إثبات التحريم، وقال: لأنه لو حلب منها في حياتها فشربه بعد موتها لنشر الحرمة، وبقاؤه في ثديها لا يمنع ثبوت الحرمة لأن ثديها لا يزيد على الإناء(6).
قال المطيعي في تكملة المجموع: ولو حلبت المرأة لبنها في وعاء، ثمَّ ماتت، فشربه صبي نشر الحرمة في قول كل من جعل الوجور محرماً (7) .
فظهر أنّ مذهب الشافعية، أنهم يخصون عدم انتشار التحريم بما لو ارتضع من ثديها بعد موتها، أو حُلِب من ثديها في وعاءٍ بعد موتها . أما لو احتلبت من ثديها في وعاء قبل موتها ثم شربه بعد موتها فإنه ينشر التحريم عندهم .
7ـ الارتضاع من لبن غير الآدمية:
ولو ارتضع اثنان من لبن بهيمة فهل يصيران أخوين؟
لا تنتشر الحرمة بلبن غير الآدمية، فلو ارتضع اثنان من لبن بهيمة لم يصيرا أخوين في قول عامة أهل العلم(1).
8ـ الارتضاع بلبن رجل:
ولو ارتضعا من لبن رجل لم يصيرا أخوين، ولم تنتشر الحرمة بينه وبينهما، في قول عامة أهل العلم(2).
فإن ثاب لخنثى مشكل لبن لم يثبت به التحريم لأنه لم يثبت كونه امرأة، فلا يثبت التحريم مع الشك، والقول الثاني: يوقف أمر من يرضع كما يوقف الخنثى المشكل حتى ينكشف أمره(3).
يتبع
أم أنس- عضو نشيط
-
تاريخ التسجيل : 14/01/2010
مواضيع مماثلة
» الرضاع و أحكامه في الإسلام - 1
» اللقيط و أحكامه
» ضوابط المصلحة في الإسلام
» من أحكام المولود في الإسلام
» ضوابط الحوار في الإسلام
» اللقيط و أحكامه
» ضوابط المصلحة في الإسلام
» من أحكام المولود في الإسلام
» ضوابط الحوار في الإسلام
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى