هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

عقيدة أهل السنة و خصائصها

اذهب الى الأسفل

عقيدة أهل السنة و خصائصها Empty عقيدة أهل السنة و خصائصها

مُساهمة من طرف خديجة الإثنين 20 ديسمبر 2010 - 9:21

البسملة
التحية

:

مختصر عقيدة أهل السنة والجماعة
للشيخ
محمد بن إبراهيم الحمد







الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، أما بعد :
فلقد يسر الله أن كتبت كتاباً بعنوان :
" عقيدة أهل السنة والجماعة مفهومها ـ خصائصها ـ خصائص أهلها "
وقد حظي ذلك الكتاب بتقريظ سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله ابن باز ـ رحمه الله ـ .
وقد جاء ذلك الكتاب في مجلد ، وطبع عدة مرات ، ولقي قبولاً ولله الحمد .
ولهذا رأت بعض الجهات الخيرية اختصار ذلك الكتاب ؛ ليتسنى طبعه ، وتوزيعه على نطاق أكبر ؛ فكان أن اختصر في هذه الرسالة التي جاءت حاملة العنوان التالي :
" مختصر عقيدة أهل السنة والجماعة : المفهوم والخصائص "
وقد حذف من هذه الرسالة أكثر الحواشي والهوامش ، والتفصيلات ؛ فمن أراد الاستزادة فليراجع الأصل ، والله المستعان وعليه التكلان .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد .

مقدمة سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز لأصل الكتاب

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده نبينا محمد وآله وصحبه أما بعد :
فقد اطلعت على ما كتبه أخونا الكريم صاحب الفضيلة الشيخ محمد بن إبراهيم الحمد في بيان عقيدة أهل السنة والجماعة ، وما خصهم الله به من العلم النافع والعمل الصالح والخصال الحميدة ، والأخلاق الكريمة ، وقد سماه : " عقيدة أهل السنة والجماعة مفهومها ـ خصائصها ـ خصائص أهلها " فألفيته كتاباً قيماً ومفيداً وموضحاً لعقيدة أهل السنة والجماعة وأخلاقهم ؛ فجزاه الله خيراً وضاعف مثوبته وزادنا وإياه من العلم النافع والعمل الصالح .
وإني أنصح كل من اطلع عليه بقراءته والاستفادة منه لعظم فائدته وشرحه لأحوال أهل السنة .
والله المسؤول أن يوفقنا وجميع المسلمين للعمل النافع والعمل الصالح وأن يصلح ولاة أمر المسلمين ، ويمنحهم الفقه في الدين ، وأن يعيذ الجميع من مضلات الفتن ؛ إنه سمع قريب وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه .
حرر في 9 / 11 / 1415هـ
عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
مفتي عام المملكة العربية السعودية
ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء







مفهوم العقيدة الإسلامية
1 / تعريف العقيدة في الاصطلاح العام : هي الإيمان الجازم ، والحكم القاطع الذي لا يتطرق إليه شك ، وهي ما يؤمن به الإنسان ، ويعقد عليه ضميره ، ويتخذه مذهباً وديناً ، بغضِّ النظر عن صحته من عدمها .
2 / العقيدة الإسلامية : هي الإيمان الجازم بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، والقدر خيره وشره ، وبكل ما جاء في القرآن الكريم ، والسنة الصحيحة من أصول الدين ، وأموره ، وأخباره ، وما أجمع عليه السلف الصالح ، والتسليم لله ـ تعالى ـ في الحكم ، والأمر ، والقدر ، والشرع ، ولرسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالطاعة والتحكيم والاتباع .
3 / موضوعات علم العقيدة : العقيدة ـ بمفهوم أهل السنة والجماعة ـ اسم عَلَم على العِلْم الذي يُدرس ويَتَناول جوانب التوحيد ، والإيمان ، والإسلام ، وأمور الغيب ، والنبوات ، والقدر ، والأخبار ، وأصول الأحكام القطعية ، وما أجمع عليه السلف الصالح من أمور العقيدة ، كالولاء والبراء ، والواجب تجاه الصحابة ، وأمهات المؤمنين ـ رضوان الله عليهم أجمعين ـ .
ويدخل في ذلك الرد على الكفار ، والمبتدعة ، وأهل الأهواء ، وسائر الملل والنحل ، والمذاهب الهدامة ، والفرق الضالة ، والموقف منهم ، إلى غير ذلك من مباحث العقيدة .
4 / أسماء علم العقيدة عند أهل السنة والجماعة :
1 - العقيدة والاعتقاد ، والعقائد .
2 - التوحيد . 3 - السنة .
4 - الشريعة . 5 - الإيمان .
6 - أصول الدين ، أو أصول الديانة .
5 - أهل السنة والجماعة : هم من كان على مثل ما كان عليه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه ، وهم المتمسكون بسنة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهم الصحابة ، والتابعون ، وأئمة الهدى المتبعون لهم ، وهم الذين استقاموا على الاتباع ، وجانبوا الابتداع في أي مكان وزمان ، وهم باقون منصورون إلى يوم القيامة .
وسموا بذلك لانتسابهم لسنة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ واجتماعهم على الأخذ بها ظاهراً وباطناً ، في القول ، والعمل ، والاعتقاد .
6 / أسماء أخرى لأهل السنة والجماعة : لأهل السنة والجماعة أسماء أخرى يعرفون بها ، منها :
1 - أهل السنة والجماعة . 2 - أهل السنة .
3 - أهل الجماعة . 4 - الجماعــة .
5 - السلف الصالح . 6 - أهل الأثر .
7 - أهل الحديث . 8 - الفرقة الناجية .
9 - الطائفة المنصورة . 10 - أهل الاتباع .



خصائص العقيدة الإسلامية
عقيدة أهل السنة والجماعة
للعقيدة الإسلامية ـ عقيدة أهل السنة والجماعة ـ خصائص عديدة ، لا توجد في أي عقيدة أخرى ، ولا غرو في ذلك ؛ إذ إن تلك العقيدة تُستَمد من الوحي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .
ومن تلك الخصائص مايلي :
1 / سلامة مصدر التلقي : وذلك باعتمادها على الكتاب والسنة ، وإجماع السلف الصالح ، فهي مستقاة من ذلك النبع الصافي ، بعيداً عن كدر الأهواء والشبهات .
وهذه الخصيصة لا توجد في شتى المذاهب والملل والنحل غير العقيدة الإسلامية ـ عقيدة أهل السنة والجماعة ـ .
2 / أنها تقوم على التسليم لله ـ تعالى ـ ولرسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : وذلك لأنها غيب ، والغيب يقوم على التسليم .
فالتسليم بالغيب من أعظم صفات المؤمنين التي مدحهم الله بها ، كما في قوله ـ تعالى ـ Sad ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ) [البقرة : 2 ، 3] .
ذلك أن العقول لا تدرك الغيب ، ولا تستقل بمعرفة الشرائع ؛ لعجزها وقصورها ؛ فكما أن سمع الإنسان قاصر ، وبصره كليل ، وقوتَه محدودة ـ فكذلك عقله ، فَتَعَيَّن الإيمان بالغيب والتسليم لله ـ عز وجل ـ .
3 / موافقتها للفطرة القويمة ، والعقل السليم : فعقيدة أهل السنة والجماعة ملائمة للفطرة السليمة ، موافقة للعقل الصريح ، الخالي من الشهوات والشبهات .
4 / اتصال سندها بالرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ والتابعين وأئمة الدين قولاً ، وعملاً ، واعتقاداً : وهذه الخصيصة قد اعترف بها كثير من خصومها ؛ فلا يوجد ـ بحمد الله ـ أصل من أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة ـ ليس له أصل أو مستند من الكتاب والسنة ، أو عن السلف الصالح ، بخلاف العقائد الأخرى المبتدعة .
5 / الوضوح والسهولة والبيان : فهي عقيدة سهلة واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار ، فلا لبس فيها ، ولا غموض ، ولا تعقيد ؛ فألفاظها واضحة ، ومعانيها بينة ، يفهمها العالم والعامي ، والصغير والكبير ، فهي تستمد من الكتاب والسنة ، وأدلة الكتاب والسنة كالغذاء ينتفع به كل إنسان ، بل كالماء الذي ينتفع به الرضيع ، والصبي ، والقوي ، والضعيف .
6 / السلامة من الاضطراب والتناقض واللبس : فلا مكان فيها لشيء من ذلك مطلقاً ، كيف لا وهي وحي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ؟
فالحق لا يضطرب ، ولا يتناقض ، ولا يلتبس .
بل يشبه بعضه بعضاً ، ويصدق بعضه بعضاً ( وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً )[النساء : 82] .
7 / أنها قد تأتي بالمحار ، ولكن لا تأتي بالمحال : ففي العقيدة الإسلامية ما يبهر العقول ، وما قد تحار فيه الأفهام ، كسائر أمور الغيب ؛ من عذاب القبر ونعيمه ، والصراط ، والحوض ، والجنة والنار ، وكيفية صفات الله ـ عز وجل ـ .
فالعقول تحار في فهم حقيقة هذه الأمور ، وكيفياتها ، ولكنها لا تحيلها بل تسلِّم لذلك ، وتنقاد ، وتذعن ؛ لأن ذلك صدر عن الوحي المنزل ، الذي لا ينطق عن الهوى .
8 / العموم والشمول والصلاح : فهي عامة ، شاملة ، صالحة لكل زمان ومكان ، وحال ، وأمة .
بل إن الحياة لا تستقيم إلا بها .
9 / الثبات والاستقرار والخلود : فهي عقيدة ثابتة ، مستقرة خالدة ، فلقد ثبتت أمام الضربات المتوالية التي يقوم بها أعداء الإسلام ؛ من اليهود ، والنصارى ، والمجوس ، وغيرهم .
فما إن يعتقد هؤلاء أن عظمها قد وهن ، وأن جذوتها قد خبت ، ونارها قد انطفأت ، حتى تعود جذعة ناصعة نقية ؛ فهي ثابتة إلى قيام الساعة ، محفوظة بحفط الله ـ تعالى ـ تتناقلها الأجيال جيلاً بعد جيل ؛ ورعيلاً بعد رعيل ، لم يتطرق إليها التحريف ، أو الزيادة ، أو النقصان ، أو التبديل .
كيف لا والله ـ عز وجل ـ هو الذي تكفل بحفظها ، وبقائها ولم يكل ذلك إلى أحد من خلقه ؟ .
قال ـ تعالى ـ : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ )[الحجر : 9] .
10 / أنها سبب للنصر والظهور والتمكين : فذلك لا يكون إلا لأهل العقيدة الصحيحة ، فهم الظاهرون ، وهم الناجون ، وهم المنصورون كما قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك " .
فمن أخذ بتلك العقيدة أعزه الله ، ومن تركها خذله الله .
وقد عَلِم ذلك كلُّ من قرأ التاريخ ، فمتى حاد المسلمون عن دينهم ـ حاق بهم ما حاق ، كما حدث لهم في الأندلس وغيرها .
11 / أنها ترفع قدر أهلها : فمن اعتقدها ، وزاد علماً بها ، وعملاً بمقتضاها ، ودعوة للناس إليها ـ أعلا الله قدره ، ورفع له ذكره ، ونشر بين الناس فضله ، فرداً كان أو جماعة ؛ ذلك أن العقيدة الصحيحة هي أفضل ما اكتسبته القلوب ، وخير ما أدركته العقول ؛ فهي تثمر المعارف النافعة ، والأخلاق العالية .
12 / السلامة والنجاة : فالسنة سفينة النجاة ، فمن تمسك بها سلم ونجا ، ومن تركها غرق وهلك .
13 / العقيدة الإسلامية عقيدة الألفة والاجتماع : فما اتحد المسلمون ، وما اجتمعت كلمتهم في مختلف الأعصار والأمصار ـ إلا بتمسكهم بعقيدتهم ، وأخذهم بها ، وما تفرقوا واختلفوا إلا لبعدهم عنها .
14 / التميـــز : فهي عقيدة متميزة ، وأهلها متميزون ، فطريقتهم مستقيمة ، وأهدافهم محددة .
15 / أنها تحمي معتنقيها من التخبط والفوضى والضياع : فالمنهج واحد ، والمبدأ واضح ثابت لا يتغير ، فيسلم معتنقها من اتباع الهوى ، ويسلم من التخبط في توزيع الولاء والبراء ، والمحبة والبغضاء ، بل تعطيه معياراً دقيقاً لا يخطىء أبداً ، فيسلم من التشتت والتشرد والضياع ، فيعرف من يوالي ، ويعرف من يعادي ، ويعرف ما له وما عليه .
16 / أنها تمنح معتنقيها الراحة النفسية والفكرية : فلا قلق في النفس ، ولا اضطراب في الفكر ؛ لأن هذه العقيدة تصل المؤمن بخالقه ـ عز وجل ـ فيرضى به رباً مدبراً ، وحاكماً مشرعاً ، فيطمئن قلبه بقدره ، وينشرح صدره لحكمه ، ويستنير فكره بمعرفته .
17 / سلامة القصد والعمل : بحيث يَسْلَمُ معتنقها من الانحراف في عبادة الله ـ عز وجل ـ فلا يعبد غير الله ، ولا يرجو سواه .
18 / تؤثر في السلوك والأخلاق والمعاملة : فهي تأمر أهلها بكل خير ، وتنهاهم عن كل شر ، فتأمرهم بالعدل والاعتدال ، وتنهاهم عن الظلم والانحراف .
19 / تدفع معتنقيها إلى الحزم والجد في الأمور .
20 / تبعث في نفس المؤمن تعظيم الكتاب والسنة : لأنه يعلم أن الكتاب والسنة حق وصواب ، وهدى ورحمة ؛ فينبعث بذلك إلى تعظيمهما ، والأخذ بهما .
21 / تَكْفُل لمعتنقيها الحياة الكريمة : ففي ظل العقيدة الإسلامية يتحقق الأمن والحياة الكريمة ؛ ذلك أنها تقوم على الإيمان بالله ، ووجوب إفراده بالعبادة دون من سواه ، وذلك ـ بلا شك ـ سبب الأمن والخير والسعادة في الدارين ؛ فالأمن قرين الإيمان ، وإذا فقد الإيمان فقد الأمن ، قال ـ تعالى ـ : ( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ )[الأنعام : 82] .
فأهل التقوى والإيمان لهم الأمن التام ، والاهتداء التام في العاجل والآجل ، وأهل الشرك والمعصية هم أهل الخوف وأولى الناس به ، فهم مهددون بالعقوبات والنقمات في سائر الأوقات .
22 / تجمع بين مطالب الروح ، والقلب ، والجسد .
23 / تعترف بالعقل وتحدد مجاله : فالعقيدة الإسلامية تحترم العقل السوي ، وترفع من شأنه ، ولا تحجر عليه ، ولا تنكر نشاطه ، والإسلام لا يرضى من المسلم أن يطفىء نور عقله ، ويركن إلى التقليد الأعمى في مسائل الاعتقاد وغيرها .
24 / تعترف بالعواطف الإنسانية ، وتوجهها الوجهة الصحيحة : فالعواطف أمر غريزي ، ولا يتجرد منه أي إنسان سوي ، والعقيدة الإسلامية ليست عقيدة هامدة جامدة ، بل هي عقيدة حيَّة ، تعترف بالعواطف الإنسانية ، وتقدرها حق قدرها ، وفي الوقت نفسه لا تطلق العنان لها ، بل تُقوِّمها ، وتسمو بها ، وتوجهها الوجهة الصحيحة ، التي تجعل منها أداة خير وتعمير ، بدلاً من أن تكون معولَ هدمٍ وتدمير .
25 / العقيدة الإسلامية كفيلة بحل جميع المشكلات : سواء مشكلات الفرقة والشتات ، أو مشكلات السياسة والاقتصاد ، أو مشكلات الجهل والمرض والفقر ، أو غير ذلك .
فلقد جمع الله بها القلوب المشتتة ، والأهواء المتفرقة ، وأغنى بها المسلمين بعد العَيْلَة ، وعلّمهم بها بعد الجهل ، وبصّرهم بعد العمى ، وأطعمهم من جوع ، وآمنهم من خوف .



خصائص أهل السنة والجماعة

كما أن لعقيدة أهل السنة والجماعة ميزات تمتاز بها عن غيرها من العقائد ـ فكذلك لأهل السنة خصائص وميزات يمتازون بها عن غيرهم من أهل الملل والنحل ، ويجدر بكل من انتسب إليهم أن يأخذ بها ، ويأطر نفسه عليها ، حتى ينال ما نالوه من خير وفضل .
فمن تلك الخصائص التي تميز بها أهل السنة والجماعة ما يلي :
1 / الاقتصار في التلقي على الكتاب والسنة : فهم ينهلون من هذا المنهل العذب عقائدَهم ، وعباداتهم ، ومعاملاتهم ، وسلوكَهم ، وأخلاقهم ، فكل ما وافق الكتاب والسنة قبلوه وأثبتوه ، وكل ما خالفهما ردوه على قائله كائناً من كان .
2 / التسليم لنصوص الشرع ، وفهمها على مقتضى منهج السلف : فهم يسلِّمون لنصوص الشرع ، سواء فهموا الحكمة منها أم لا ، ولا يعرضون النصوص على عقولهم ، بل يعرضون عقولهم على النصوص ، ويفهمونها كما فهمها السلف الصالح .
3 / الإتباع وترك الابتداع : فهم لا يقدمون بين يدي الله ورسوله ، ولا يرفعون أصواتهم فوق صوت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا يرضون لأحد كائناً من كان أن يرفع صوته فوق صوت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
بخلاف المبتدعة الضالين ، الذين ابتدعوا في الدين ، مستدركين على وحي رب العالمين ، ألا ساء ما يعملون .
4 / الاهتمام بالكتاب والسنة : فهم يهتمون بالقرآن حفظاً وتلاوة ، وتفسيراً ، وبالحديث دراية ورواية .
بخلاف غيرهم من المبتدعة الذي يهتمون بكلام شيوخهم أكثر من اهتمامهم بالكتاب والسنة .
5 / احتجاجهم بالسنة الصحيحة وترك التفريق بين المتواتر والآحاد : سواء في الأحكام أو العقائد ، فهم يرون حجية الحديث إذا صح عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولو كان آحاداً .
6 / ليس لهم إمام معظم يأخذون كلامه كله ، ويدعون ما خالفه إلا الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : أما غير الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإنهم يعرضون كلامه على الكتاب والسنة ، فما وافقهما قُبِل ، وما لا فلا ، فهم يعتقدون أن كل أحد يؤخذ من قوله ويرد إلا الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
أما غيرهم من الفرق الأخرى ، ومن متعصبة المذاهب ـ فإنهم يأخذون كلام أئمتهم كله حتى ولو خالف الدليل .
7 / هم أعلم الناس بالرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : فهم يعلمون هديه ، وأعماله ، وأقواله ، وتقريراته ؛ لذلك فهم أشد الناس حباً له ، واتباعاً لسنته .
بخلاف غيرهم من أهل البدع الذي يعرفون عن أئمتهم ما لا يعرفونه عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
8 / الدخول في الدين كله : فهم يدخلون في الدين كله ، ويؤمنون بالكتاب كله ؛ امتثالاً لقوله ـ تعالى ـ : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ) [البقرة : 208] .
بخلاف الذين فرقوا دينهم ، وكانوا شيعاً كل حزب بما لديهم فرحون .
وبخلاف الذين نسوا حظاً مما ذكروا به ، والذين جعلوا القرآن عضين ؛ فآمنوا ببعض الكتاب ، وكفروا ببعض .
9 / تعظيم السلف الصالح : فأهل السنة يعظمون السلف الصالح ، ويقتدون بهم ، ويهتدون بهديهم ، ويرون أن طريقتهم هي الأسلم ، والأعلم ، والأحكم .
10 / الجمع بين النصوص في المسألة الواحدة ، ورد المتشابه إلى المحكم : فهم يجمعون بين النصوص الشرعية في المسألة الواحدة ، ويردون المتشابه إلى المحكم ؛ حتى يصلوا إلى الحق في المسألة .
11 / الجمع بين العلم والعبادة : بخلاف غيرهم ، فإما أن يشتغل بالعبادة عن العلم ، أو بالعلم عن العبادة ، أما أهل السنة والجماعة فيجمعون بين الأمرين .
12/ الجمع بين التوكل على الله والأخذ بالأسباب : فهم لا ينكرون الأسباب ، ولا تأثيرها إذا ثبتت شرعاً أو قدراً ، ولا يَدَعُون الأخذ بالأسباب ، وفي الوقت نفسه لا يلتفتون إليها .
ولا يرون أن هناك تنافياً بين التوكل على الله والأخذ بالأسباب ؛ لأن نصوص الشرع حافلة بالأمر بالتوكل على الله ، والأخذ بالأسباب المشروعة أو المباحة في مختلف شؤون الحياة ، فقد أمرت بالعمل ، والسعي في طلب الرزق ، والتزود للأسفار ، واتخاذ العدد في مواجهة العدو .
قال ـ تعالى ـ : ( إِذَا قُضِيَتْ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ ) [الجمعة : 10] . وقال : ( هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا ) [الملك : 15] . وقال : ـ تعالى ـ : ( وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ) [البقرة : 197] . وقال ـ تعالى ـ : ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ ) [الأنفال : 60] .
وقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز ، وإن أصابك شيء فلا تقل : لو أني فعلت كان كذا وكذا ، ولكن قل : قدر الله وما شاء فعل ؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان " .
13 / الجمع بين التوسع في الدنيا والزهد بها : فأهل السنة والجماعة لا ينكرون على من يتوسع في الدنيا ، ويسعى في كسب الرزق ، بل يرون أنه ينبغي للإنسان أن يكفي نفسه ومن يعول ، ويستغني عن الناس ، ويقطع الطمع مما في أيديهم ، على ألا تكون الدنيا أكبر همه ، ولا مبلغ علمه ، وعلى ألا يكتسب المال من غير حله ، كما لا يعيبون على من آثر الكفاف ، ورضي بالقليل من متاع الدنيا ، لأنهم يرون أن الزهد إنما هو زهد القلب ، وهو أن يترك الإنسان ما لا ينفع في الآخرة .
أما إذا توسع العبد في الدنيا ، وجعلها في يده لا في قلبه ، يرفد بها الإخوان ، ويتصدق على الفقراء والمساكين ، ويعين بها على نوائب الحق ـ فذلك من فضل الله الذي يؤتيه من يشاء .
كما هو حال الصديق ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وعبدالرحمن بن عوف ، وغيرهم من أثرياء الصحابة من المهاجرين والأنصار ـ رضي الله عنهم ـ .
وكحال ابن المبارك ـ رحمه الله ـ فلقد كان من أغنى أهل زمانه ، وهو في الوقت نفسه من أزهدهم إن لم يكن أزهدهم .
14 / الجمع بين الخوف والرجاء والحب : فأهل السنة والجماعة يجمعون بين هذه الأمور ، ويرون أنه لا تنافي ولا تعارض بينها .
قال ـ سبحانه وتعالى ـ في وصف عباده الأنبياء والمرسلين Sad إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ) [الأنبياء : 90] .
وقال في معرض الثناء على سائر عباده المؤمنين Sad تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ) [السجدة : 16] .
وهناك مقولة مشهورة عند السلف ، وهي قولهم : " من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق ، ومن عبده بالخوف فهو حروري ، ومن عبده بالرجاء وحده فهو مرجيء ، ومن عبده بالخوف ، والحب ، والرجاء فهو مؤمن موحِّد " .
15 / الجمع بين الرحمة واللين والشدة والغلظة : بخلاف غيرهم ممن يأخذ جانباً من هدي السلف ويدع الجانب الآخر ، فيأخذون بالشدة في جميع أحوالهم أو باللين في جميع أحوالهم .
أما أهل السنة فيجمعون بين هذا وهذا ، وكل في موضعه ، حسب ما تقتضيه المصلحة ، ومقتضيات الأحوال .
16 / الجمع بين العقل والعاطفة : فعقولهم راجحة ، وعواطفهم صادقة ، ومعاييرهم منضبطة ، فلم يغلِّبوا جانب العقل على العاطفة ، ولا جانب العاطفة على العقل ، وإنما جمعوا بينهما على أكمل وجه وأتمه ، فمع أن عواطفهم قوية مشبوبة إلا أن تلك العواطف تضبط بالعقل ، وذلك العقل يضبط بالشرع .
( نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ) [النور : 35] .
17 / العــدل : فالعدل من أعظم المميزات لأهل السنة والجماعة ، فهم أعدل الناس ، وأولاهم بامتثال قول الله ـ عز وجل ـ : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ ) [النساء : 135] .
وقوله : ( وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى ) [الأنعام : 152] .
حتى إن الطوائف الأخرى إذا تنازعت احتكمت إلى أهل السنة .
18 / الأمانة العلمية : فالأمانة زينة العلم ، وروحه الذي يجعله زاكي الثمر ، لذيذ المطعم ، وأهل السنة لهم القِدحُ المعلى في ذلك الشأن .
ومن مظاهر الأمانة العلمية عندهم ـ الأمانة في النقل ، والبعد عن التزوير ، وقلب الحقائق ، وبتر النصوص ، وتحريفها ، فإذا نقلوا عن مخالف لهم نقلوا كلامه تامّاً ، فلا يأخـذون منه ما يوافق ما يذهبون إليه ، ويدعون ما سواه ؛ كي يدينوا المنقول عنه ، وإنما ينقلون كلامه تامّاً ، فإن كان حقاً أقرّوه ، وإن كان باطلاً ردّوه ، وإن كان فيه وفيه ، قبلوا الحق وردّوا الباطل ، كل ذلك بالدليل القاطع ، والبرهان الساطع .
ومن مظاهر الأمانة العلمية عندهم أنهم لا يحمّلون الكلام ما لا يحتمل ، وأنهم يذكرون ما لهم وما عليهم ، وأنهم يرجعون للحق إذا تبيّن ، ولا يفتون ولا يقضون إلا بما يعلمون .
كما أنهم أحرص الناس على نسبة الكلام إلى قائله ، وأبعدهم من نسبته إلى غير قائله .
19 / الوسطيـة : قال ـ تعالى ـ : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً ) [البقرة : 143] .
فالوسطية من أعظم ما يتميز به أهل السنة والجماعة .
فكما أن أمة الإسلام وسط بين الأمم التي تجنح إلى الغلو الضار ، والأمم التي تميل إلى التفريط المهلك ـ فكذلك أهل السنة والجماعة ؛ فهم متوسطون بين فرق الأمـة المبتدعـة التي انحرفـت عن الصراط المستقيم .
وتتجلى وسطية أهل السنة والجماعة في شتى الأمور ؛ سواء في باب العقيدة ، أو الأحكام ، أو السلوك ، أو الأخلاق ، أو غير ذلك .
20 / عدم الاختلاف في أصول الاعتقاد : فالسلف الصالح لا يختلفون ـ بحمد الله ـ في أصل من أصول الدين ، وقواعد الاعتقاد ؛ فقولهم في أسماء الله وصفاته وأفعاله واحد ، وقولهم في الإيمان وتعريفه ومسائله واحد ، وقولهم في القدر واحد ، وهكذا في باقي الأصول .
21 / ترك الخصومات في الدين ، ومجانبة أهل الخصومات : لأن الخصومات مدعاةٌ للفرقة والفتنة ، ومجلبةٌ للتعصب واتباع الهوى ، ومطيةٌ للانتصار للنفس ، والتشفي من الآخرين ، وذريعة للقول على الله بغير علم .
أخرج الآجري بسنده عن مسلم بن يسار أنه قال : " إياكم والمراءَ ؛ فإنه ساعة جهل العالم ، وبها يبتغي الشيطان زلته " .
وأخرج أن عمر بن عبدالعزيز ـ رحمه الله ـ : " من جعل دينه غرضاً للخصومات أكثر التنقل " .
وقال جعفر بن محمد ـ رحمه الله ـ : " إياكم والخصومات ؛ فإنه تشغل القلب وتورث النفاق " .
22 / الحرص على جمع كلمة المسلمين على الحق : فهم حريصون كل الحرص على وحدة المسلمين ، ولمِّ شعثهم ، وجمع كلمتهم على الحق ، وإزالة أسباب النزاع والفرقة بينهم ؛ لعلمهم أن الاجتماع رحمة ، وأن الفرقة عذاب ؛ ولأن الله ـ عز وجل ـ أمر بالائتلاف ، ونهى عن الاختلاف كما في قوله ـ تعالى ـ : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) [آل عمران : ، 102 103] .
بخلاف الذين يسعون للفرقة بين المسلمين ، ويبذرون بذور الشقاق في صفوفهم ، فيفرقونهم عند أدنى نازلة ، ويحزبونهم ويؤلبون بعضهم على بعض ، ويُغرون بعضهم ببعض .
23 / سعة الأفق : فهم أوسع الناس أفقاً ، وأبعدهم نظراً ، وأرحبهم بالخلاف صدراً ، وأكثرهم للمعاذير التماساً .
وهم لا يأنفون من سماع الحق ، ولا تحرج صدورهم من قبوله ، ولا يستنكفون من الرجوع إليه ، والأخذ به .
ثم إنهم لا يُلزمون الناس باجتهاداتهم ، ولا يضللون كل من خالفهم ، ولا تضيق أعطانهم في الأمور الاجتهادية ، التي تختلف فيها أفهام الناس .
ومن مظاهر سعة الأفق عندهم بعدهم عن التعصب المقيت ، والتقليد الأعمى ، والحزبية الضيقة .
24 / حسن الخلق : فأهل السنة أحسن الناس خلقاً ، وأكثرهم حلماً وسماحة وتواضعاً ، وأحرصهم دعوة إلى مكارم الأخلاق ، ومحاسن الأعمال .
25 / هم أهل الدعوة إلى الله : فهم يدعون إلى دين الإسلام ، بالحكمة والموعظة الحسنة ، والمجادلة بالتي هي أحسن ، ويسلكون في ذلك شتى الطرق المشروعة والمباحة ؛ حتى يعرف الناس ربهم ، ويعبدوه حق عبادته .
فلا أحد أحرص منهم على هداية الخلق ، ولا أحد أرحم منهم بالناس .
26 / هم الغرباء : الذين يُصْلحُونَ ما أفسد الناس ، ويَصلُحون إذا فسد الناس .
27 / هم الفرقة الناجية : التي تنجو من البدع والضلالات في هذه الدنيا ، وتنجو من عذاب الله يوم القيامة .
28 / وهم الطائفة المنصورة : لأن الله معهم ، وهو مؤيدهم وناصرهم .
29 / لا يوالون ولا يعادون إلا على أساس الدين : فلا ينتصرون لأنفسهم ، ولا يغضبون لها ، ولا يوالون لِعُبِّيَّة جاهلية ، أو عصبية مذهبية ، أو راية حزبية ، وإنما يوالون على الدين ، فولاؤُهم لله ، وبراؤهم لله ، ومواقفهم ثابتة ، لا تتبدل ولا تتغير .
30 / سلامتهم من تكفير بعضهم لبعض : فأهل السنة سالمون من ذلك ، فهم يردون على المخالف منهم ، ويوضحون الحق للناس ، فهم يُخطِّئون ، ولا يكفرون ، ولا يبدعون ، ولا يفسقون إلا من استحق ذلك .
بخلاف غيرهم من الطوائف الأخرى كالخوارج الذي يكثر فيهم الاختلاف والتضليل والتكفير ؛ ولهذا تجدهم يكفر بعضهم بعضاً عند أقل نازلة تنزل بهم من دقائق الفتيا وصغارها .
31 / سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : فقلوبهم عامرة بحبهم ، وألسنتهم تلهج بالثناء عليهم ، فأهل السنة يرون أن الصحابة خير القرون ؛ لأن الله ـ عز وجل ـ زكاهم وكذلك رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
32 / سلامتهم من الحيرة والاضطراب ، والتخبط والتناقض : فأهل السنة والجماعة أكثر الناس رضاً ويقيناً ، وطمأنينة ، وإيماناً ، وأبعدهم عن الحيرة والاضطراب ، والتخبط والتناقض .
حتى إنه ليوجد عند عوام أهل السنة من بَرْدِ اليقين ، وحسن المعتقد ، والبعد عن الحيرة ـ ما لا يوجد عند علماء الطوائف الأخرى ، وحُذَّاقهم من أهل الكلام وغيرهم ، ممن اضطـربوا في تقرير عقائدهم فحاروا وحيروا ، وتعبوا وأتعبوا .
ومما يدل على حيرتهم ما جاء على ألسنة حُذَّاق أهل الكلام الذي بلغوا الغاية فيه فلم يرجعوا بفائدة ، ولم يعودوا بعائدة ، فهذا الرازي أحد أكابر علم الكلام ينوح على نفسه ويبكي عليها قائلاً :
نهايةُ إقدام العقول عِقالُ وغاية سعي العالمين ضلال
وأرواحنا في وحشة من جسومنا وغايةُ دنيانا أذىً ووبــال
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا
وكم قد رأينا من رجال ودولة فبادوا جميعاً مسرعين وزالوا
وكم من جبال قد علت شرفاتها رجال فزالوا والجبال جـبـال

ومنهم الشهرستاني الذي قال :
لعمري لقد طفت المعاهد كلها وقلَّبت طرفي بين تلك المعالم
فلم أر إلا واضعاً كفَّ حائرٍ على ذَقَنٍ أو قارعاً سنَّ نادم
ومن الذين خاضوا في علم الكلام وندموا على ذلك : الجويني ، والغزالي ، والخسروشاهي ، وغيرهم .
هذا هو شأن من ضل من أهل الفرق الإسلامية .
أما الكفار الذين تنكبوا الصراط المستقيم من الملاحدة وغيرهم ـ فلا تسل عن بؤسهم وشقائهم فهم يعيشون أدنى دركات الشقاء والنكد ، فلقد سلبوا الأمن ، وشاعت فيهم الأمراض النفسية والعصبية ، وكثر فيهم الرعب ، وانتشر فيهم الانتحار والرغبة في التخلص من الحياة .
فها هو الفيلسوف الألماني المشهور " فريدريك نيتشه " بعد أن ألغى من فكره عقيدة الإيمان بالله ، ها هو يعرب عن دخيلة نفسه ، وما يعانيه من عذاب وشقاء فيقول : " إنني أعلم جيد العلم لماذا كان الإنسان هو الحيوان الوحيد الذي يضحك ؛ لأنه هو الذي يعاني أشد العناء ، فاضطره ذلك أن يخترع الضحك " .
وهذا الفيلسوف الفرنسي الملحد الوجودي اليهودي " جان بول سارتر " عندما كفر بالله ، واليوم الآخر أصبح ينظر إلى الحياة من منظوره الوجودي ، فلا يرى الوجود كله إلا من دوائر القلق ، والمتاعب ، والغثيان ، والآلام .
وكتب في ذلك جملة قصص ومسرحيات ضمنها آراءه الفلسفية الوجودية .
وحين حضره الموت سأله من كان عنده : تُرى إلى أين قادك مذهبك ؟ فأجاب في أسىً عميقٍ ملؤه الندم : " إلى هزيمة كاملة " .
أين هؤلاء من أمير المؤمنين عمر بن عبدالعزيز ـ رحمه الله تعالى ـ إذ يقول : " أصبحت ومالي سرور إلا في مواضع القضاء والقدر " .
وأين هم من شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ عندما اقتيد إلى السجن فقال كلمته المشهورة " ما يصنع أعدائي بي ؟ أنا جنتي وبستاني في صدري ، أين رحت فهي معي لا تفارقني ؛ أنا حبسي خلوة ، وقتلي شهادة ، وإخراجي من بلدي سياحة " .
33 / التثبت في الأخبار ، وعدم التسرع في إطلاق الأحكام : بخلاف الذين يسارعون في إطلاق الأحكام ، ويتهافتون على إلصاق التهم بالأبرياء ، فَيُفَسِّقُون ، ويبدعون ، ويكفرون بالتهمة والظنة ، من غير ما برهان أو بينة .
34 / حصول البشرى عند الممات : وذلك لإيمانهم بالله ، واستقامتهم على أمره ، قال ـ تعالى ـ Sad إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ) [فصلت : 30] .
35 / مضاعفة الحسنات ، ورفعة الدرجات : فمن أسباب مضاعفة الحسنات ، ورفعة الدرجات ـ بل هو أساسها وأصلها ـ صحةُ العقيدة ، وقوة الإيمان .
وأهل السنة والجماعة أصح الناس عقيدةً ، وأقواهم إيماناً ؛ ولذلك فأعمالهم تضاعف مضاعفة كبيرة ، ودرجاتهم ترفع وتعلو عُلواً لا يدانيه أحد ، ولا يشاركهم فيه إلا من كان على مثل ما هم عليه من العقيدة والإيمان .
ولهذا كان السلف يقولون : " أهل السنة والجماعة إن قعدت بهم أعمالهم ـ قامت بهم عقائدهم ، وأهل البدع إن كثرت أعمالهم قعدت بهم عقائدهم " .
هذه مآثر أهل السنة والجماعة ، وهذه بعض خصائصهم التي تميزوا بها على غيرهم ، وتلك هي الخصال التي طبقها سلفنا الصالح ـ رحمهم الله ورضي عنهم ـ فنالوا الخيرات ، وحصلوا على البركات .
وليس معنى ذلك أن أهل السنة معصومون ؟ لا ، بل إن منهجهم هو المعصوم ، وجماعتهم هي المعصومة .
أما آحـادهم فقـد يقـع منه الظلـم والبغـي ، والعدوان ، وارتكاب المخالفات .
ولكن ذلك قليل بالنسبة إلى غيرهم ، ولا يُقَرُّ من فعل ذلك منهم ، بل يبتعد عن السنة بقدر مخالفته .
ثم إن ما عند أهل السنة من مخالفات وأخطاء فعند غيرهم أكثر مما عندهم ، وما عند غيرهم من فضل وعلم وكمال فعند أهل السنة أكمله وأتمه .
فما أجدرنا ـ معاشر المسلمين ـ أن نأخذ بمنهج أهل السنة ، وأن نوطن أنفسنا على ذلك ، وما أحرانا ـ نحن أهل السنة ـ أن نقوم بالسنة حق القيام ، وأن نقتدي بسلفنا الصالح في كل أمورنا ؛ لنرضي ربنا ـ جل وعلا ـ ولنعطي صورة مشرقة عن الإسلام الصحيح النقي ؛ ليقبل الناس عليه ، ويحرصوا على الدخول فيه ، ولئلا نصبح فتنة لغيرنا من الكفار والمبتدعة ، فإذا رأوا ما عليه بعض أهل السنة من بعد عن المنهج ـ قالوا : إذا كان خاصة المؤمنين بهذه المثابة فلا لوم علينا ولا تثريب ، وبذلك تندرس معالم الحق ، وتنطمس أنوار الهدى .
وأخيراً : نحمد الله أن جعلنا من أهل السنة ، ونسأله أن يتم علينا النعمة والمنة ، وأن يرزقنا لزوم السنة ، والعمل بالسنة ، وأن يتوفانا على السنة .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وسلام على المرسلين ، والله أعلم ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .
خديجة
خديجة
عضو نشيط
عضو نشيط

انثى
تاريخ التسجيل : 20/01/2010

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى