هل الاستشراق في أزمة؟
:: المنتدى العام :: أساتذة المسلك
صفحة 1 من اصل 1
هل الاستشراق في أزمة؟
هل الاستشراق في أزمة؟
بعد هذا التاريخ الطويل جداً من النضال الفكري الذي لم تنطفئ جذوته ولم تندرس مآثره، حيث أسهم إسهاماً عظيماً في إعادة صياغة الشرق وإخراجه في صورة نمطية ساعدت كثيراً في تكوين مخيلة الإنسان الغربي عن الإسلام والمسلمين، نسوق السؤال التالي: أين يتموقع الاستشراق؟
في الواقع لم يعد هناك عالم واحد اسمه الاستشراق، بل هناك عوالم متباينة يحمل كل منها عنوان المجال الذي يهتم به(1)، بل وجدنا من المستشرقين في الوقت الحاضر من يذهبون إلى إصدار الكتب والمقالات التي تعنى بقضايا الساعة•
يبين الدكتور >علي حسني الخربوطلي< سبب زيغ الاستشراق عن مجاله وموضوعاته التقليدية بقوله: >بدأ استقلال الدول العربية سياسياً، كما بدأ تحررها الفكري والحضاري أيضاً، ولم يعد المستشرقون يجدون تلك الحرية القديمة التي مارسوها طويلاً، كما أصبح العرب على وعي قومي وفكري، فباتوا ينظرون نظرة شك أو حذر إلى أبحاث المستشرقين• ولذا بدأ انكماش الاستشراق، ورأى المستشرقون أن يبحثوا لهم عن مجال نشاط وميدان غير الميدان العربيبرتراند راسلكان العلم وسيلة لمعرفة العالم، أما اليوم فقد أصبح وسيلة لتغيير العالمدراسات المناطق< وضمنها >دراسات الشرق الأوسطالسوسيولوجيا وعلم الإحصاء و>الأنثربولوجيا< والتاريخ وعلم النفس والاقتصاد والسياسة إلى ما هنالك•
إن هذا التوجه الحديث للاستشراق يتفق والمصالح الغربية من جهة، كما يتفق والرؤى الفكرية واللاهوتية التي تسيطر على توجهات الكثير من المفكرين الغربيين، فقد كانوا في القرن الثامن عشر يهتمون بالتبشير عن طريق إنشاء القنصليات والمدارس والمستشفيات، وكان الإنجليز وراء هذا كله، لكن بعد ولوج الأميركيين مجال الدراسات الاستشراقية، أصبحوا يرفعون شعار >الرسالة الإنسانية< التي تنادي بحقوق القوميات في منطقة الشرق الأوسط وتقرير مصيرها، وبحق التقدم البشري عن طريق استغلال جميع إمكاناته المادية وموارده الطبيعية، من أجل ذلك تأسست المعاهد وأقيمت المؤتمرات وتعددت الأبحاث والدراسات عن الشرق الأوسط•
وهذا لا يعني ألبتة أن وجهة نظر الغرب عن الشرق والإسلام قد تغيرت بل على العكس، إذ أصبح المستشرقون يبحثون عن ثوابت وشهادات تزكي المواقف السابقة، وإن حاول المستشرق الفرنسي >مكسيم رودنسون< أن ينفي عن التوجه الجديد للاستشراق تلك المواقف بقوله: >هل تستطيع أن تقول لي ما قيمة الدراسات التي كتبت بهدف الإساءة إلى شخصية محمد؟ وأين هي الآن؟ ومن الذي يذكرها أو يعتمد عليها؟ إن مثل هذه الأبحاث والكتب التي هدفت إلى تشويه شخصية الرسول، صلى الله عليه وسلم، وكتبت بدوافع من التعصب الديني ضد الإسلام باتت >دراسات< غير معروفة بسبب الإهمال التام الذي لقيته، فلا يوجد من يقرؤها أو من يعتمد عليها، لأن الأغراض التي كتبت من أجلها معروفةالعلوم الإنسانية بشكل رئيسيوناش دانيتسكي< أن أزمة الاستشراق تعود إلى سببين أساسيين:
الأول: متصل بالهيكل الداخلي لهذا الحقل المعرفي•
والثاني: ينبع من التورطات العامة التي نشأت إثر فصل علوم الاستشراق عن بقية العلوم كما أدى إلى تقسيم مفتعل لا مبرر له•(5)•
وإزاء هذه الحقيقة، يمكن أن نصل إلى استنتاج نقرر فيه أن الاستشراق إما أنه يعيش اليوم في أزمة، والمستشرقين يعيشون في تمزق وتناقص(6)• وإما أن الاستشراق يتهيأ لدور جديد يتلاءم مع الأوضاع الجديدة للعالم الإسلامي، يقول أحد الساسة الألمان: >لقد آن الأوان كي يبتعد المستشرقون باهتماماتهم عن اللهجات العربية، ويعدوا أنفسهم لتقبل الدور الجديد كطاقة فاعلة في خدمة العلوم الاجتماعية، وكاحتياطيين للقيام بمهمة الترجمة في ميادين العمل المختلفةعبدالأمير الأعسمأصبح لزاماً على الاستشراق أن يعيد النظر في تحديد هويته مجدداً، وهنا ظهر المستعربون >Arabistsالثاني والثلاثين< الذي انعقد في >هامبورغ< 20 ـ 30 أغسطس 1986م كان يؤكد اتجاه التخصص في (الدراسات الآسيوية والأفريقية الشمالية)بيتر غرانإذ بمقدور الاستشراق أن يتخذ أشكالاً مختلفة بدءاً بالمادية الماركسية وانتهاء بالمثالية الأوروبية ونظرية التجديد الأميركيةمحمد شريف الزيبقطه حسين< في مقدم الذين أعلنوا الإعجاب والتقدير لمناهج المستشرقين، ويعتبر حامل لواء الدفاع عنهم وعن أهوائهم••• حتى قال بعضهم: إن >طه حسين< ليس إلا مستشرقاً من أصل عربي•• وقد كانت أمانته لفكر الغربي ولمذاهب الاستشراق تفوق أمانة المستشرقين)(12)•
إذ سلك في أبحاثه (منهج الفلاسفة والعلماء، متخذاً من >ديكارت< قدوة في البحث عن حقائق الأشياء)(13)، وهذا المنهج يحض الباحث في أثناء مباشرة أي دراسة أن ينسى أنه علم شيئاً لكي يستقبل موضوع دراسته بذهن خال أي رافض لكل ما قيل حوله من قبل•
هذا المنهج أطَّر به >طه حسين< كل أبحاثه الأدبية والدينية وغيرها غير عابئ بجسامة خطورته، يقول: >لنجتهد في أن ندرس الأدب العربي غير حافلين بتمجيد العرب أو الغض منهم، ولا مكترثين بنصر الإسلام أو النعي عليه ولا معنيين بالملاءمة بينه وبين نتائج البحث العلمي والأدبي، ولا وجلين حين ينتهي بنا هذا البحث إلى ما تأباه القومية أو تنفر منه الأهواء السياسية، أو تكرهه العاطفة الدينيةطه حسين< هو السبيل نحو الجديد بغض النظر عن نتائجه التي قد تخالف ما عليه عامة الناس دينياً وسياسياً، ولنقرأ له وهو يتحدث عن قصة >إبراهيم وإسماعيل< عليهما الصلاة والسلام: >للتوراة أن تحدثنا عن >إبراهيم وإسماعيل< وللقرآن أن يحدثنا عنهما أيضاً ولكن ورود هذين الاسمين في التوراة والقرآن لا يكفي لإثبات وجودهما التاريخي فضلاً عن إثبات هذه القصة التي تحدثنا بهجرة >إسماعيل بن إبراهيم< إلى مكة ونشأة العرب المستعربة فيها، ونحن مضطرون إلى أن نرى في هذه القصة نوعاً من الحيلة في إثبات الصلة بين العرب واليهود من جهة، وبين الإسلام واليهودية، والقرآن والتوراة من جهة أخرىطه حسين< إلى أبعد الحدود حين اعتبر قصة >إسماعيل وإبراهيم< ـ عليهما الصلاة والسلام ـ أسطورة اخترعت قبل الإسلام، واستغلها المسلمون لسبب ديني محض وقبلها العرب لسبب قومي سياسي•
وقد أثارت أفكاره هذه ضجة صاخبة كان لها تأثيرها البالغ على كثير من المفكرين الذين تزعموا تيار التحديث الذي يدعو إلى اتباع المناهج الغربية، ولم يقف نشاط >طه حسين< عند هذا الحد، بل زاد، إذ أصدر سنة 1938م كتاباً خطيراً سماه >مستقبل الثقافة في مصر< ضمنه >طه حسين< كل مقاصده الحقيقية التي تتفق مع آماله الكبرى الداعية إلى >التأوربواضحة بيِّنة مستقيمة ليس فيها عوج ولا التواء، وهي: أن نسير سيرة الأوروبيين ونسلك طريقهم، لنكون لهم أنداداً، ولنكون لهم شركاء في الحضارة، خيرها وشرها، حلوها ومرها، وما يحب منها وما يكره، وما يحمد منها ويُعاباليونان والرومانمصر< على نفسها في أثناء معاهدة الاستقلال، يقول >طه حسينالتزمنا أمام أوروبا أن نذهب مذهبها في الحكم ونسير سيرتها في الإدارة ونسلك طريقها في التشريع، التزمنا هذا كله أمام أوروباإذا تركنا الصبية والأحداث للتعليم الأزهري الخالص ولم نشملهم بعناية الدولة ورعايتها وملاحظتها الدقيقة المتصلة، عرضناهم لأن يصاغوا صيغة قديمة ويكوِّنوا تكويناً قديماً وباعدنا بينهم وبين الحياة الحديثة التي لابد لهم من الاتصال بها والاشتراك فيها••• فالمصلحة الوطنية العامة من جهة ومصلحة التلاميذ والطلاب الأزهريين من جهة أخرى، تقتضيان إشراف المعارف على التعليم الأولي والثانوي في الأزهرطه حسين< إلى اللغة العربية واعتبرها هي الأخرى مشكلة، لأنها من جهة عسيرة ونحوها قديم، وكتابتها قديمة وصعبة، ومن جهة أخرى، فإن علماء الدين يضفون عليها نوعاً من التقديس لأنها لغة الدين، ولحل مشكلة اللغة العربية كما سماها، دعا إلى إصلاح الكتابة والقراءة بصورة تجعل الناس لا يخطئون حين يكتبون أو يقرأون، ومع ذلك لم يدع إلى تغيير العربية بالعامية أو بالحروف اللاتينية، يقول: >إني من أشد الناس ازوراراً عن الذين يفكرون في اللغة العامية على أنها تصلح أداة للفهم والتفاهم••• أحب أن يعلم المحافظون أني قاومت وسأقاوم أشد المقاومة دعوة الداعين إلى اصطناع الحروف اللاتينيةطه حسين< خارقة، فإنها لا تختلف في شيء عما ذكره المستشرقون وخصوصاً ما خطط له الغرب المستعمر لإصلاح التعليم وتطويره، والشاهد على ذلك ما قاله المندوب السامي في مصر >اللورد لويد< سنة 1933م: >إن التعليم الوطني عندما قدم الإنجليز إلى مصر كان في قبضة الجامعة الأزهرية الشديدة التمسك بالدين التي كانت أساليبها الجافة القديمة تقف حاجزاً في طريق أي إصلاح تعليمي، وكان الطلاب الذين يتخرجون في هذه الجامعة يحملون معهم قدراً عظيماً من غرور التعصب الديني، ولا يصيبون إلا قدراً ضئيلاً جداً من مرونة التفكير والتقدير، فلو أمكن تطوير الأزهر ـ عن طريق حركة تنبعث من داخله هو ـ لكانت هذه خطوة جليلة الخطرطه حسين< يدعو مصر إلى اعتبار نفسها جزءاً من الغرب قائلاً: >إن من السخف الذي ليس بعده سخف اعتبار مصر جزءاً من الشرق، واعتبار العقلية المصرية عقلية شرقية كعقلية الهند والصينطه حسينمحمد العربي الشاوشولعل الدكتور >طه حسين< لم يأت بجديد في بعض الآراء التي انتحلها وأثبتها في كتابيه المذكورين، وتعرض بسببها للنقد والتجريح، فقد كانت تلك الآراء شائعة بين المبشرين والمستشرقين الطاعنين في الإسلام، ولعل الميزة التي امتاز بها الكاتب الراحل هي قدرته على الاقتباس وحذاقته في التصرف فيه ثم جرأته في عرض انطباعات، وصموده في الدفاع عنهاطه حسينوكثير من الجامعيين متشبعين بروح الغرب يتنفسون برئة الغرب، ويفكرون بعقله، ويرددون ـ في بلدهم ـ صدى أساتذتهم المستشرقين، وينشرون أفكارهم ونظرياتهم في إيمان عميق، وحماسة زائدة، فلا يقرأ إنسان لعالم مستشرق في الغرب بحثاً ولا يعرف له نظرية إلا ويجد أديباً أو مؤلفاً في مصر يتبنى هذه النظرية بكل إخلاص، ويشرحها ويدعو إليها في كل لباقة وبلاغة، مثل: بشرية القرآن، وفصل الدين عن السياسة، وأن الإسلام دين لا دولة، والدعوة إلى العلمانية، والشك في مصادر العربية الأولى، والشك في قيمة الحديث العلمية، وإنكار مكانته وحجيته ومكانة السنة في الإسلام، والدعوة إلى تحرير المرأة ومساواتها بالرجل وإلى السفور، وكون الفقه الإسلامي مقتبساً من القانون الروماني ومتأثراً به في روحه وسبكه، والدعوة إلى إحياء الحضارات السابقة على الإسلام، وتمجيد العصر الفرعوني، والتغني بحضارته وأدبه وأمجاده، والدعوة إلى العامية والتأليف فيها، واقتباس الحروف اللاتينية والتقنين المدني العربي على أساس القانون المدني الغربي، والدعوة إلى القومية العربية والاشتراكية المادية ـ والشيوعية الماركسية أحياناً ـ في العصر الأخير، ترى ظلال الفكر العربي، بل التعبير الغربي، وارفة ممدودة على العقول العربية والأقلام العربية، مسيطرة عليها كسيطرة الأشجار الكبيرة على الحشائش الصغيرةفرنسوا زبالالاستشراق حركة من تاريخنا المعاصر وذلك من ناحيتين: فهو من جهة أوجد مؤسسات ثقافية لها صبغة محلية لا شبهة عليها، ومن جهة أخرى ولد أبناء محليين كثيرين، بشكل أنه أصبح من المستحيل فصل الأصيل عن الدخيل، فهل يعد بعدها بحاجة للوجود الدائم والظاهر؟الهجمة الثقافية الجديدة على القومية العربية: خصائصها واتجاهاتهاطه حسينمحمد محمد حسينالصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية لأبي الحسن علي الحسيني الندوي< ص115•
22 ـ في تأبين الدكتور طه حسين، لـ>محمد العربي الشاوشمحمد محمد حسينمحمود حمدي زقزوقعلي محمد جريشة، ومحمد شريف الزيبقأنور عبدالمالكطه حسينعلي حسني الخربوطلي
بعد هذا التاريخ الطويل جداً من النضال الفكري الذي لم تنطفئ جذوته ولم تندرس مآثره، حيث أسهم إسهاماً عظيماً في إعادة صياغة الشرق وإخراجه في صورة نمطية ساعدت كثيراً في تكوين مخيلة الإنسان الغربي عن الإسلام والمسلمين، نسوق السؤال التالي: أين يتموقع الاستشراق؟
في الواقع لم يعد هناك عالم واحد اسمه الاستشراق، بل هناك عوالم متباينة يحمل كل منها عنوان المجال الذي يهتم به(1)، بل وجدنا من المستشرقين في الوقت الحاضر من يذهبون إلى إصدار الكتب والمقالات التي تعنى بقضايا الساعة•
يبين الدكتور >علي حسني الخربوطلي< سبب زيغ الاستشراق عن مجاله وموضوعاته التقليدية بقوله: >بدأ استقلال الدول العربية سياسياً، كما بدأ تحررها الفكري والحضاري أيضاً، ولم يعد المستشرقون يجدون تلك الحرية القديمة التي مارسوها طويلاً، كما أصبح العرب على وعي قومي وفكري، فباتوا ينظرون نظرة شك أو حذر إلى أبحاث المستشرقين• ولذا بدأ انكماش الاستشراق، ورأى المستشرقون أن يبحثوا لهم عن مجال نشاط وميدان غير الميدان العربيبرتراند راسلكان العلم وسيلة لمعرفة العالم، أما اليوم فقد أصبح وسيلة لتغيير العالمدراسات المناطق< وضمنها >دراسات الشرق الأوسطالسوسيولوجيا وعلم الإحصاء و>الأنثربولوجيا< والتاريخ وعلم النفس والاقتصاد والسياسة إلى ما هنالك•
إن هذا التوجه الحديث للاستشراق يتفق والمصالح الغربية من جهة، كما يتفق والرؤى الفكرية واللاهوتية التي تسيطر على توجهات الكثير من المفكرين الغربيين، فقد كانوا في القرن الثامن عشر يهتمون بالتبشير عن طريق إنشاء القنصليات والمدارس والمستشفيات، وكان الإنجليز وراء هذا كله، لكن بعد ولوج الأميركيين مجال الدراسات الاستشراقية، أصبحوا يرفعون شعار >الرسالة الإنسانية< التي تنادي بحقوق القوميات في منطقة الشرق الأوسط وتقرير مصيرها، وبحق التقدم البشري عن طريق استغلال جميع إمكاناته المادية وموارده الطبيعية، من أجل ذلك تأسست المعاهد وأقيمت المؤتمرات وتعددت الأبحاث والدراسات عن الشرق الأوسط•
وهذا لا يعني ألبتة أن وجهة نظر الغرب عن الشرق والإسلام قد تغيرت بل على العكس، إذ أصبح المستشرقون يبحثون عن ثوابت وشهادات تزكي المواقف السابقة، وإن حاول المستشرق الفرنسي >مكسيم رودنسون< أن ينفي عن التوجه الجديد للاستشراق تلك المواقف بقوله: >هل تستطيع أن تقول لي ما قيمة الدراسات التي كتبت بهدف الإساءة إلى شخصية محمد؟ وأين هي الآن؟ ومن الذي يذكرها أو يعتمد عليها؟ إن مثل هذه الأبحاث والكتب التي هدفت إلى تشويه شخصية الرسول، صلى الله عليه وسلم، وكتبت بدوافع من التعصب الديني ضد الإسلام باتت >دراسات< غير معروفة بسبب الإهمال التام الذي لقيته، فلا يوجد من يقرؤها أو من يعتمد عليها، لأن الأغراض التي كتبت من أجلها معروفةالعلوم الإنسانية بشكل رئيسيوناش دانيتسكي< أن أزمة الاستشراق تعود إلى سببين أساسيين:
الأول: متصل بالهيكل الداخلي لهذا الحقل المعرفي•
والثاني: ينبع من التورطات العامة التي نشأت إثر فصل علوم الاستشراق عن بقية العلوم كما أدى إلى تقسيم مفتعل لا مبرر له•(5)•
وإزاء هذه الحقيقة، يمكن أن نصل إلى استنتاج نقرر فيه أن الاستشراق إما أنه يعيش اليوم في أزمة، والمستشرقين يعيشون في تمزق وتناقص(6)• وإما أن الاستشراق يتهيأ لدور جديد يتلاءم مع الأوضاع الجديدة للعالم الإسلامي، يقول أحد الساسة الألمان: >لقد آن الأوان كي يبتعد المستشرقون باهتماماتهم عن اللهجات العربية، ويعدوا أنفسهم لتقبل الدور الجديد كطاقة فاعلة في خدمة العلوم الاجتماعية، وكاحتياطيين للقيام بمهمة الترجمة في ميادين العمل المختلفةعبدالأمير الأعسمأصبح لزاماً على الاستشراق أن يعيد النظر في تحديد هويته مجدداً، وهنا ظهر المستعربون >Arabistsالثاني والثلاثين< الذي انعقد في >هامبورغ< 20 ـ 30 أغسطس 1986م كان يؤكد اتجاه التخصص في (الدراسات الآسيوية والأفريقية الشمالية)بيتر غرانإذ بمقدور الاستشراق أن يتخذ أشكالاً مختلفة بدءاً بالمادية الماركسية وانتهاء بالمثالية الأوروبية ونظرية التجديد الأميركيةمحمد شريف الزيبقطه حسين< في مقدم الذين أعلنوا الإعجاب والتقدير لمناهج المستشرقين، ويعتبر حامل لواء الدفاع عنهم وعن أهوائهم••• حتى قال بعضهم: إن >طه حسين< ليس إلا مستشرقاً من أصل عربي•• وقد كانت أمانته لفكر الغربي ولمذاهب الاستشراق تفوق أمانة المستشرقين)(12)•
إذ سلك في أبحاثه (منهج الفلاسفة والعلماء، متخذاً من >ديكارت< قدوة في البحث عن حقائق الأشياء)(13)، وهذا المنهج يحض الباحث في أثناء مباشرة أي دراسة أن ينسى أنه علم شيئاً لكي يستقبل موضوع دراسته بذهن خال أي رافض لكل ما قيل حوله من قبل•
هذا المنهج أطَّر به >طه حسين< كل أبحاثه الأدبية والدينية وغيرها غير عابئ بجسامة خطورته، يقول: >لنجتهد في أن ندرس الأدب العربي غير حافلين بتمجيد العرب أو الغض منهم، ولا مكترثين بنصر الإسلام أو النعي عليه ولا معنيين بالملاءمة بينه وبين نتائج البحث العلمي والأدبي، ولا وجلين حين ينتهي بنا هذا البحث إلى ما تأباه القومية أو تنفر منه الأهواء السياسية، أو تكرهه العاطفة الدينيةطه حسين< هو السبيل نحو الجديد بغض النظر عن نتائجه التي قد تخالف ما عليه عامة الناس دينياً وسياسياً، ولنقرأ له وهو يتحدث عن قصة >إبراهيم وإسماعيل< عليهما الصلاة والسلام: >للتوراة أن تحدثنا عن >إبراهيم وإسماعيل< وللقرآن أن يحدثنا عنهما أيضاً ولكن ورود هذين الاسمين في التوراة والقرآن لا يكفي لإثبات وجودهما التاريخي فضلاً عن إثبات هذه القصة التي تحدثنا بهجرة >إسماعيل بن إبراهيم< إلى مكة ونشأة العرب المستعربة فيها، ونحن مضطرون إلى أن نرى في هذه القصة نوعاً من الحيلة في إثبات الصلة بين العرب واليهود من جهة، وبين الإسلام واليهودية، والقرآن والتوراة من جهة أخرىطه حسين< إلى أبعد الحدود حين اعتبر قصة >إسماعيل وإبراهيم< ـ عليهما الصلاة والسلام ـ أسطورة اخترعت قبل الإسلام، واستغلها المسلمون لسبب ديني محض وقبلها العرب لسبب قومي سياسي•
وقد أثارت أفكاره هذه ضجة صاخبة كان لها تأثيرها البالغ على كثير من المفكرين الذين تزعموا تيار التحديث الذي يدعو إلى اتباع المناهج الغربية، ولم يقف نشاط >طه حسين< عند هذا الحد، بل زاد، إذ أصدر سنة 1938م كتاباً خطيراً سماه >مستقبل الثقافة في مصر< ضمنه >طه حسين< كل مقاصده الحقيقية التي تتفق مع آماله الكبرى الداعية إلى >التأوربواضحة بيِّنة مستقيمة ليس فيها عوج ولا التواء، وهي: أن نسير سيرة الأوروبيين ونسلك طريقهم، لنكون لهم أنداداً، ولنكون لهم شركاء في الحضارة، خيرها وشرها، حلوها ومرها، وما يحب منها وما يكره، وما يحمد منها ويُعاباليونان والرومانمصر< على نفسها في أثناء معاهدة الاستقلال، يقول >طه حسينالتزمنا أمام أوروبا أن نذهب مذهبها في الحكم ونسير سيرتها في الإدارة ونسلك طريقها في التشريع، التزمنا هذا كله أمام أوروباإذا تركنا الصبية والأحداث للتعليم الأزهري الخالص ولم نشملهم بعناية الدولة ورعايتها وملاحظتها الدقيقة المتصلة، عرضناهم لأن يصاغوا صيغة قديمة ويكوِّنوا تكويناً قديماً وباعدنا بينهم وبين الحياة الحديثة التي لابد لهم من الاتصال بها والاشتراك فيها••• فالمصلحة الوطنية العامة من جهة ومصلحة التلاميذ والطلاب الأزهريين من جهة أخرى، تقتضيان إشراف المعارف على التعليم الأولي والثانوي في الأزهرطه حسين< إلى اللغة العربية واعتبرها هي الأخرى مشكلة، لأنها من جهة عسيرة ونحوها قديم، وكتابتها قديمة وصعبة، ومن جهة أخرى، فإن علماء الدين يضفون عليها نوعاً من التقديس لأنها لغة الدين، ولحل مشكلة اللغة العربية كما سماها، دعا إلى إصلاح الكتابة والقراءة بصورة تجعل الناس لا يخطئون حين يكتبون أو يقرأون، ومع ذلك لم يدع إلى تغيير العربية بالعامية أو بالحروف اللاتينية، يقول: >إني من أشد الناس ازوراراً عن الذين يفكرون في اللغة العامية على أنها تصلح أداة للفهم والتفاهم••• أحب أن يعلم المحافظون أني قاومت وسأقاوم أشد المقاومة دعوة الداعين إلى اصطناع الحروف اللاتينيةطه حسين< خارقة، فإنها لا تختلف في شيء عما ذكره المستشرقون وخصوصاً ما خطط له الغرب المستعمر لإصلاح التعليم وتطويره، والشاهد على ذلك ما قاله المندوب السامي في مصر >اللورد لويد< سنة 1933م: >إن التعليم الوطني عندما قدم الإنجليز إلى مصر كان في قبضة الجامعة الأزهرية الشديدة التمسك بالدين التي كانت أساليبها الجافة القديمة تقف حاجزاً في طريق أي إصلاح تعليمي، وكان الطلاب الذين يتخرجون في هذه الجامعة يحملون معهم قدراً عظيماً من غرور التعصب الديني، ولا يصيبون إلا قدراً ضئيلاً جداً من مرونة التفكير والتقدير، فلو أمكن تطوير الأزهر ـ عن طريق حركة تنبعث من داخله هو ـ لكانت هذه خطوة جليلة الخطرطه حسين< يدعو مصر إلى اعتبار نفسها جزءاً من الغرب قائلاً: >إن من السخف الذي ليس بعده سخف اعتبار مصر جزءاً من الشرق، واعتبار العقلية المصرية عقلية شرقية كعقلية الهند والصينطه حسينمحمد العربي الشاوشولعل الدكتور >طه حسين< لم يأت بجديد في بعض الآراء التي انتحلها وأثبتها في كتابيه المذكورين، وتعرض بسببها للنقد والتجريح، فقد كانت تلك الآراء شائعة بين المبشرين والمستشرقين الطاعنين في الإسلام، ولعل الميزة التي امتاز بها الكاتب الراحل هي قدرته على الاقتباس وحذاقته في التصرف فيه ثم جرأته في عرض انطباعات، وصموده في الدفاع عنهاطه حسينوكثير من الجامعيين متشبعين بروح الغرب يتنفسون برئة الغرب، ويفكرون بعقله، ويرددون ـ في بلدهم ـ صدى أساتذتهم المستشرقين، وينشرون أفكارهم ونظرياتهم في إيمان عميق، وحماسة زائدة، فلا يقرأ إنسان لعالم مستشرق في الغرب بحثاً ولا يعرف له نظرية إلا ويجد أديباً أو مؤلفاً في مصر يتبنى هذه النظرية بكل إخلاص، ويشرحها ويدعو إليها في كل لباقة وبلاغة، مثل: بشرية القرآن، وفصل الدين عن السياسة، وأن الإسلام دين لا دولة، والدعوة إلى العلمانية، والشك في مصادر العربية الأولى، والشك في قيمة الحديث العلمية، وإنكار مكانته وحجيته ومكانة السنة في الإسلام، والدعوة إلى تحرير المرأة ومساواتها بالرجل وإلى السفور، وكون الفقه الإسلامي مقتبساً من القانون الروماني ومتأثراً به في روحه وسبكه، والدعوة إلى إحياء الحضارات السابقة على الإسلام، وتمجيد العصر الفرعوني، والتغني بحضارته وأدبه وأمجاده، والدعوة إلى العامية والتأليف فيها، واقتباس الحروف اللاتينية والتقنين المدني العربي على أساس القانون المدني الغربي، والدعوة إلى القومية العربية والاشتراكية المادية ـ والشيوعية الماركسية أحياناً ـ في العصر الأخير، ترى ظلال الفكر العربي، بل التعبير الغربي، وارفة ممدودة على العقول العربية والأقلام العربية، مسيطرة عليها كسيطرة الأشجار الكبيرة على الحشائش الصغيرةفرنسوا زبالالاستشراق حركة من تاريخنا المعاصر وذلك من ناحيتين: فهو من جهة أوجد مؤسسات ثقافية لها صبغة محلية لا شبهة عليها، ومن جهة أخرى ولد أبناء محليين كثيرين، بشكل أنه أصبح من المستحيل فصل الأصيل عن الدخيل، فهل يعد بعدها بحاجة للوجود الدائم والظاهر؟الهجمة الثقافية الجديدة على القومية العربية: خصائصها واتجاهاتهاطه حسينمحمد محمد حسينالصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية لأبي الحسن علي الحسيني الندوي< ص115•
22 ـ في تأبين الدكتور طه حسين، لـ>محمد العربي الشاوشمحمد محمد حسينمحمود حمدي زقزوقعلي محمد جريشة، ومحمد شريف الزيبقأنور عبدالمالكطه حسينعلي حسني الخربوطلي
طالب- عضو نشيط
-
تاريخ التسجيل : 13/01/2010
:: المنتدى العام :: أساتذة المسلك
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى