العدالة والضبط ومنهج المحدثين فيهما
صفحة 1 من اصل 1
العدالة والضبط ومنهج المحدثين فيهما
العدالة والضبط ومنهج المحدثين فيهما
أولا : العدالة
هي ملكة تحمل صاحبها على فعل الطاعات واجتناب
الموبقات والتنزه عن ما يخل بالمروءات.
ويشترط في العدالة التامة الأمور التالية :
1)
الإسلام ، لقول الله تعالى : ( ممن ترضون من الشهداء ) ، وغير المسلم ليس من أهل الرضا قطعا .
2)
البلوغ ، لأنه مناط تحمل المسئولية والتزام الواجبات وترك المحظورات .
3)
العقل ، لأنـه لا بد منه لحصول الصدق وضبط المسموع والمشاهد عند التحمل .
4)
التقوى ، وهي اجتناب الكبائر وترك الإصرار على الصغائر .
5) الاتصاف بالمروءة وترك ما يخل بها ، وهو كل ما يحط من قدر الإنسان في العرف
الاجتماعي الصحيح .
وينبغي أن يعلم أن هذه الشروط يجب توافرها في
الراوي عند الأداء ، أما عند التحمل فقد قبل المحدثون رواية الذي تحمل حال كونه
كافرا أو صبيا مميزا ، وقد مر معنا في نظرية الإسناد .
وعليه فلا تقبل رواية الذي يؤدي روايته حال
كونه كافرا أو فاسقا أو غير مميز ولا عاقل واشتراط هذه الشروط من باب الاحتياط
العام والتثبت في القبول عمن يظن أنه لا يكذب ، وأصل ذلك قوله تعالى : ( يا أيها
الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا .. )[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] .
وتأسيسا على هذه الشروط بحث المحدثون في رواية
التائب من الكذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورواية المبتدع ومن أخذ على
الحديث أجرا فلنفرد الكلام حول كل مسألة من تلك المسائل لأنها تنادي على دقة منهج
المحدثين في النقد .
رواية التائب من الكذب على رسول صلى الله عليه
وسلم
يقول ابن الصلاح : " التائب من الكذب في
حديث الناس وغيره من أسباب الفسق تقبل روايته، إلا التائب من الكذب متعمدا في حديث
رسول صلى الله عليه وسلم ، فإنه لا تقبل روايته أبدا وإن حسنت توبته على ما ذكر
غير واحد من أهل العلم ، منهم : أحمد بن حنبل وأبو بكر الحميدي شيخ البخاري ..
"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] .
والسبب في ذلك هو الاحتياط في حديث من هذا حاله
، ومبالغة في زجر من تسول له نفسه فعل ذلك .
وقاس السيوطي عدم قبول خبر التائب من الكذب على
رسول الله صلى الله عليه وسلم على الزاني إذا ثبت زناه ثم تاب وحسنت توبته فإنه لا
يعود محصنا ولا يحد قاذفه بعد ذل لبقاء ثلمة عرضه ، فهذا نظير أن الكاذب لا يقبل
خبره أبدا [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
والأولى عندي أن يقاس على القاذف الذي لم يأت
بأربعة شهود وهو من قياس الأولى ، لأن الافتراء على رسول الله صلى الله عليه وسلم
أشد حتى نقل عن بعض أهل العلم تكفير الذي يكذب على النبي صلى الله عليه وسلم
متعمدا .
رواية المبتدع
قال ابن الصلاح : " اختلفوا في قبول رواية
المبتدع الذي لا يكفر في بدعته ، فمنهم من رد روايته مطلقا لأنه فاسق ببدعته .. ،
ومنهم من قبل رواية المبتدع ، إذا لم يكن ممن يستحل الكذب في نصرة مذهبه أو لأهل
مذهبه سواء كان داعية إلى بدعته أو لم يكن . وقال قوم : تقبل روايته إذا لم يكن
داعية إلى بدعته ، وهذا مذهب الكثير أو الأكثر من العلماء ، وقال أبو حاتم بن حبان
البستي من أئمة الحديث : الداعية إلى البدع لا يجوز الاحتجاج به عند أئمتنا قاطبة
لا أعلم فيه خلافا . وهذا المذهب الثالث أعدلها وأولاها ، والأول بعيد مباعد
للشائع عن أئمة الحديث فإن كتبهم طافحة بالرواية عن المبتدعة غير الدعاة ، وفي
الصحيحين كثير من أحاديثهم في الشواهد والأصول "[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] .
وتحصل من هذا أن المحدثين لهم في ذلك ثلاثة
أقوال :
الأول : أنه لا تقبل رواية المبتدع مطلقا سواء
كان داعيا على بدعته أو غير داع لها . وهذا المذهب مُطَّرح مهجور أو كما قال ابن
الصلاح : " بعيد مباعد للشائع عن أئمة الحديث " .
الثاني : أنه تقبل روايته إذا كان صادق اللهجة
ولا يستحل الكذب في نصرة مذهبه سواء كان داعية أو غير داعية لبدعته . وهذا القول
انتصر له جمال الدين القاسمي في رسالته في الجرح والتعديل[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] ورجحه أحمد شاكر حيث قال : " والعبرة
في الرواية بصدق الراوي وأمانته ، والثقة بدينه وخلقه ، والمتتبع لأحوال الرواة
يرى كثيرا من أهل البدع موضعا للثقة والاطمئنان وإن رووا ما يوافق
رأيهم"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] .
واحتج أصحاب هذا القول بأن البخاري ومسلما
أوردا في صحيحهما أحاديث مبتدعة دعاة، ولم يقدح ذلك في كتابتها ولا حديثهما بل
صحيحاهما من أصح كتب الحديث عند النقاد .
وقد تمحل ابن حجر عذرا للصحيحين في ذلك بأن ما
وقع فيهما نم الرواية لبعض المبتدعة الدعاة أنه من القليل النادر الذي لا يخل
بالقاعدة ، وأيده في ذلك نور الدين العتر ، وليس بسديد ، لأنه مخل بالقاعدة على
ندرته ..مع أن بعض الباحثين تصدى لإحصاء عدد المبتدعة في الكتب المشهورة فبلغ بهم
141 راويا من المبتدعة روي لهم في الكتب الستة[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] .
القول الثالث : انه لا تقبل رواية المبتدع إذا
دعا إلى بدعته . وهذا القول هو الذي عليه جمهور المحدثين وادعى فيه ابن حبان إجماع
أهل الحديث عليه .
وهذا القول رجحه الأستاذ محمد الأعظمي لكنه
استدل له بأبحاث لبعض علماء النفس تفيد أن المتعصبين لمذاهب متطرفة قد يكذبون
بطريقة لا شعورية وأن هذا يؤكد صواب مذهب المحدثين الذي لم يقبلوا رواية المبتدع
الداعي إلى بدعته إذا كان الحديث يؤيد بدعته[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] .
وهذا استدلال متهافت جدا ، لأن أبحاث علم النفس
مازالت غير مجمع على حجيتها في محيط الدراسات الإنسانية بسبب نسبيتها الشديدة
وتعقد معطياتها التي تفقد نتائجها سمة الحتمية والقانونية ، فكيف نستجيز أن نستدل
أو حتى نستأنس بها في تصحيح أو تأييد مسالك في علم نقد الرجال الذي تميز بشفافية
شديدة وأخلاقية صارمة .
ثم إن الدراسات المذكورة أجراها أصحابها كما
قال الأستاذ الأعظمي على أصحاب المذاهب المتطرفة التي تحجرت اتجاهاتها على احتقار
أجناس وطوائف معينة من البشر ، ونحن لا نعرف بالتحديد نوعية تلك المذاهب المتطرفة
، ولكنها – على الجزم – تختلف في دينها وأخلاقياتها واتجاهاتها عن مبتدعة الملة
الإسلامية ، وهذا التفاوت اليقيني كاف في دفع الاستدلال وفساده .
وأرى أن الصواب هو المذهب القائل بعدم قبول
رواية المبتدع الداعي لبدعته وإذا كانت روايته في نصرة بدعته[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] ، وليس ذلك إلا في إطار نظرية التثبت
الكبرى التي بنى عليها المحدثون نظرياتهم في نقد الأحاديث ، والاحتياط سمة ظاهرة
في كل التصرفات النقدية عند المحدثين ، أما ما ورد في الصحيحين من الرواية عن بعض
الدعاة إلى بدعتهم – وإن لم يكن نادرا – فذلك محمول على أن الشيخين – البخاري
ومسلم – قد تثبتا في أحاديثهم ووجدوها على الجادة ، أو أنها جاءت من طرق أخرى غير
طرقهم ، ولكنهم أوردوها لغرض أو فائدة ما ، وهذا عين الجواب الذي قال في إيراد
الشيخين أحاديث المدلسين على صيغة العنعنة ، فالأصل اطراح روايتهم لكن العلماء أحسنوا
الظن وحملوا ذلك على أن الشيخين قد اطلعا على طرق صرح فيها أولئك بالتحديث ولا بد
.
ويظهر لي – والله أعلم – أن البخاري ومسلما قد
تعمدا إيراد أحاديث المبتدعة الدعاة وغير الدعاة لتكون الحجة فيها أوثق على سائر
الطوائف والمذاهب جريا على مقولة : والفضل ما شهدت به الأعداء .
ولهذا أيضا – والله أعلم – كتب لهذين الشيخين
من الإجماع والتواطؤ على الإذعان ما لم يكتب لغيرهما .
فرد أحاديث المبتدعة الدعاة على بابه من
الاطراد عند المحدثين خلا ما احتاج الرواة لنقله عن أولئك المبتدعة بعد التوثق من
عين تلك الرواية بورودها من طريق آخر أو استيقان عدم كذب راويها المبتدع الداعي .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]البقرة
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]منهج النقد في علوم الحديث . نور الدين العتر
ص70-74
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]الحجرات 6 وانظر التنكيل بما في تأنيب الكوثري
من الأباطيل : عبد الرحمن المعلمي (1/60) .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]علوم الحديث لابن الصلاح ص104
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]تدريب الراوي . السيوطي (1/331) وينبغي الإشارة
إلى أن المحدثين قبلوا رواية فساق التأويل بشرط ألا يكون الراوي ممن لا يذهب إلى
استحلال الكذب ، قال أبو حاتم : " حادثت أحمد بن حنبل فيمن شرب النبيذ من
محدثي أهل الكوفة وسميت له عددا منهم ، فقال : هذه زلات لهم ، لا نسقط بزلاتهم
عدالتهم " . انظر المسودة لآل ابن تيمية ص265 ومنهج النقد عند المحدثين .
محمد الأعظمي ص33
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]علوم الحديث لابن الصلاح ص103-104
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]الجرح والتعديل . جمال الدين القاسمي ص13 ط مصر
غير مؤرخة .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]الباعث الحثيث . أحمد شاكر ص100.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]ملحق أسماء المبتدعة في الكتب الستة بكتاب
الجرح والتعديل لجمال الدين القاسمي . محمد عبد الحكيم القاضي ص109 .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]منهج النقد عند المحدثين . محمد الأعظمي ص41 .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]اعتبر بعض المحدثين ضرورة ألا تكون رواية
المبتدع في بدعته ، قاله الجوزجاني وأيده ابن حجر العسقلاني ، انظر : نزهة النظر
شرح نخبة الفكر لابن حجر ص 53 ، وانظر أيضا منهج النقد في علوم الحديث .نور
الدين عتر ص76 .
المصدر : [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
أولا : العدالة
هي ملكة تحمل صاحبها على فعل الطاعات واجتناب
الموبقات والتنزه عن ما يخل بالمروءات.
ويشترط في العدالة التامة الأمور التالية :
1)
الإسلام ، لقول الله تعالى : ( ممن ترضون من الشهداء ) ، وغير المسلم ليس من أهل الرضا قطعا .
2)
البلوغ ، لأنه مناط تحمل المسئولية والتزام الواجبات وترك المحظورات .
3)
العقل ، لأنـه لا بد منه لحصول الصدق وضبط المسموع والمشاهد عند التحمل .
4)
التقوى ، وهي اجتناب الكبائر وترك الإصرار على الصغائر .
5) الاتصاف بالمروءة وترك ما يخل بها ، وهو كل ما يحط من قدر الإنسان في العرف
الاجتماعي الصحيح .
وينبغي أن يعلم أن هذه الشروط يجب توافرها في
الراوي عند الأداء ، أما عند التحمل فقد قبل المحدثون رواية الذي تحمل حال كونه
كافرا أو صبيا مميزا ، وقد مر معنا في نظرية الإسناد .
وعليه فلا تقبل رواية الذي يؤدي روايته حال
كونه كافرا أو فاسقا أو غير مميز ولا عاقل واشتراط هذه الشروط من باب الاحتياط
العام والتثبت في القبول عمن يظن أنه لا يكذب ، وأصل ذلك قوله تعالى : ( يا أيها
الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا .. )[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] .
وتأسيسا على هذه الشروط بحث المحدثون في رواية
التائب من الكذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورواية المبتدع ومن أخذ على
الحديث أجرا فلنفرد الكلام حول كل مسألة من تلك المسائل لأنها تنادي على دقة منهج
المحدثين في النقد .
رواية التائب من الكذب على رسول صلى الله عليه
وسلم
يقول ابن الصلاح : " التائب من الكذب في
حديث الناس وغيره من أسباب الفسق تقبل روايته، إلا التائب من الكذب متعمدا في حديث
رسول صلى الله عليه وسلم ، فإنه لا تقبل روايته أبدا وإن حسنت توبته على ما ذكر
غير واحد من أهل العلم ، منهم : أحمد بن حنبل وأبو بكر الحميدي شيخ البخاري ..
"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] .
والسبب في ذلك هو الاحتياط في حديث من هذا حاله
، ومبالغة في زجر من تسول له نفسه فعل ذلك .
وقاس السيوطي عدم قبول خبر التائب من الكذب على
رسول الله صلى الله عليه وسلم على الزاني إذا ثبت زناه ثم تاب وحسنت توبته فإنه لا
يعود محصنا ولا يحد قاذفه بعد ذل لبقاء ثلمة عرضه ، فهذا نظير أن الكاذب لا يقبل
خبره أبدا [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
والأولى عندي أن يقاس على القاذف الذي لم يأت
بأربعة شهود وهو من قياس الأولى ، لأن الافتراء على رسول الله صلى الله عليه وسلم
أشد حتى نقل عن بعض أهل العلم تكفير الذي يكذب على النبي صلى الله عليه وسلم
متعمدا .
رواية المبتدع
قال ابن الصلاح : " اختلفوا في قبول رواية
المبتدع الذي لا يكفر في بدعته ، فمنهم من رد روايته مطلقا لأنه فاسق ببدعته .. ،
ومنهم من قبل رواية المبتدع ، إذا لم يكن ممن يستحل الكذب في نصرة مذهبه أو لأهل
مذهبه سواء كان داعية إلى بدعته أو لم يكن . وقال قوم : تقبل روايته إذا لم يكن
داعية إلى بدعته ، وهذا مذهب الكثير أو الأكثر من العلماء ، وقال أبو حاتم بن حبان
البستي من أئمة الحديث : الداعية إلى البدع لا يجوز الاحتجاج به عند أئمتنا قاطبة
لا أعلم فيه خلافا . وهذا المذهب الثالث أعدلها وأولاها ، والأول بعيد مباعد
للشائع عن أئمة الحديث فإن كتبهم طافحة بالرواية عن المبتدعة غير الدعاة ، وفي
الصحيحين كثير من أحاديثهم في الشواهد والأصول "[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] .
وتحصل من هذا أن المحدثين لهم في ذلك ثلاثة
أقوال :
الأول : أنه لا تقبل رواية المبتدع مطلقا سواء
كان داعيا على بدعته أو غير داع لها . وهذا المذهب مُطَّرح مهجور أو كما قال ابن
الصلاح : " بعيد مباعد للشائع عن أئمة الحديث " .
الثاني : أنه تقبل روايته إذا كان صادق اللهجة
ولا يستحل الكذب في نصرة مذهبه سواء كان داعية أو غير داعية لبدعته . وهذا القول
انتصر له جمال الدين القاسمي في رسالته في الجرح والتعديل[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] ورجحه أحمد شاكر حيث قال : " والعبرة
في الرواية بصدق الراوي وأمانته ، والثقة بدينه وخلقه ، والمتتبع لأحوال الرواة
يرى كثيرا من أهل البدع موضعا للثقة والاطمئنان وإن رووا ما يوافق
رأيهم"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] .
واحتج أصحاب هذا القول بأن البخاري ومسلما
أوردا في صحيحهما أحاديث مبتدعة دعاة، ولم يقدح ذلك في كتابتها ولا حديثهما بل
صحيحاهما من أصح كتب الحديث عند النقاد .
وقد تمحل ابن حجر عذرا للصحيحين في ذلك بأن ما
وقع فيهما نم الرواية لبعض المبتدعة الدعاة أنه من القليل النادر الذي لا يخل
بالقاعدة ، وأيده في ذلك نور الدين العتر ، وليس بسديد ، لأنه مخل بالقاعدة على
ندرته ..مع أن بعض الباحثين تصدى لإحصاء عدد المبتدعة في الكتب المشهورة فبلغ بهم
141 راويا من المبتدعة روي لهم في الكتب الستة[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] .
القول الثالث : انه لا تقبل رواية المبتدع إذا
دعا إلى بدعته . وهذا القول هو الذي عليه جمهور المحدثين وادعى فيه ابن حبان إجماع
أهل الحديث عليه .
وهذا القول رجحه الأستاذ محمد الأعظمي لكنه
استدل له بأبحاث لبعض علماء النفس تفيد أن المتعصبين لمذاهب متطرفة قد يكذبون
بطريقة لا شعورية وأن هذا يؤكد صواب مذهب المحدثين الذي لم يقبلوا رواية المبتدع
الداعي إلى بدعته إذا كان الحديث يؤيد بدعته[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] .
وهذا استدلال متهافت جدا ، لأن أبحاث علم النفس
مازالت غير مجمع على حجيتها في محيط الدراسات الإنسانية بسبب نسبيتها الشديدة
وتعقد معطياتها التي تفقد نتائجها سمة الحتمية والقانونية ، فكيف نستجيز أن نستدل
أو حتى نستأنس بها في تصحيح أو تأييد مسالك في علم نقد الرجال الذي تميز بشفافية
شديدة وأخلاقية صارمة .
ثم إن الدراسات المذكورة أجراها أصحابها كما
قال الأستاذ الأعظمي على أصحاب المذاهب المتطرفة التي تحجرت اتجاهاتها على احتقار
أجناس وطوائف معينة من البشر ، ونحن لا نعرف بالتحديد نوعية تلك المذاهب المتطرفة
، ولكنها – على الجزم – تختلف في دينها وأخلاقياتها واتجاهاتها عن مبتدعة الملة
الإسلامية ، وهذا التفاوت اليقيني كاف في دفع الاستدلال وفساده .
وأرى أن الصواب هو المذهب القائل بعدم قبول
رواية المبتدع الداعي لبدعته وإذا كانت روايته في نصرة بدعته[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] ، وليس ذلك إلا في إطار نظرية التثبت
الكبرى التي بنى عليها المحدثون نظرياتهم في نقد الأحاديث ، والاحتياط سمة ظاهرة
في كل التصرفات النقدية عند المحدثين ، أما ما ورد في الصحيحين من الرواية عن بعض
الدعاة إلى بدعتهم – وإن لم يكن نادرا – فذلك محمول على أن الشيخين – البخاري
ومسلم – قد تثبتا في أحاديثهم ووجدوها على الجادة ، أو أنها جاءت من طرق أخرى غير
طرقهم ، ولكنهم أوردوها لغرض أو فائدة ما ، وهذا عين الجواب الذي قال في إيراد
الشيخين أحاديث المدلسين على صيغة العنعنة ، فالأصل اطراح روايتهم لكن العلماء أحسنوا
الظن وحملوا ذلك على أن الشيخين قد اطلعا على طرق صرح فيها أولئك بالتحديث ولا بد
.
ويظهر لي – والله أعلم – أن البخاري ومسلما قد
تعمدا إيراد أحاديث المبتدعة الدعاة وغير الدعاة لتكون الحجة فيها أوثق على سائر
الطوائف والمذاهب جريا على مقولة : والفضل ما شهدت به الأعداء .
ولهذا أيضا – والله أعلم – كتب لهذين الشيخين
من الإجماع والتواطؤ على الإذعان ما لم يكتب لغيرهما .
فرد أحاديث المبتدعة الدعاة على بابه من
الاطراد عند المحدثين خلا ما احتاج الرواة لنقله عن أولئك المبتدعة بعد التوثق من
عين تلك الرواية بورودها من طريق آخر أو استيقان عدم كذب راويها المبتدع الداعي .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]البقرة
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]منهج النقد في علوم الحديث . نور الدين العتر
ص70-74
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]الحجرات 6 وانظر التنكيل بما في تأنيب الكوثري
من الأباطيل : عبد الرحمن المعلمي (1/60) .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]علوم الحديث لابن الصلاح ص104
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]تدريب الراوي . السيوطي (1/331) وينبغي الإشارة
إلى أن المحدثين قبلوا رواية فساق التأويل بشرط ألا يكون الراوي ممن لا يذهب إلى
استحلال الكذب ، قال أبو حاتم : " حادثت أحمد بن حنبل فيمن شرب النبيذ من
محدثي أهل الكوفة وسميت له عددا منهم ، فقال : هذه زلات لهم ، لا نسقط بزلاتهم
عدالتهم " . انظر المسودة لآل ابن تيمية ص265 ومنهج النقد عند المحدثين .
محمد الأعظمي ص33
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]علوم الحديث لابن الصلاح ص103-104
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]الجرح والتعديل . جمال الدين القاسمي ص13 ط مصر
غير مؤرخة .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]الباعث الحثيث . أحمد شاكر ص100.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]ملحق أسماء المبتدعة في الكتب الستة بكتاب
الجرح والتعديل لجمال الدين القاسمي . محمد عبد الحكيم القاضي ص109 .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]منهج النقد عند المحدثين . محمد الأعظمي ص41 .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]اعتبر بعض المحدثين ضرورة ألا تكون رواية
المبتدع في بدعته ، قاله الجوزجاني وأيده ابن حجر العسقلاني ، انظر : نزهة النظر
شرح نخبة الفكر لابن حجر ص 53 ، وانظر أيضا منهج النقد في علوم الحديث .نور
الدين عتر ص76 .
المصدر : [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
كوثر- عضو نشيط
-
تاريخ التسجيل : 25/01/2010
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى