هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

التفكر الايماني ودوره في البناء الفكري والحضاري للامة

اذهب الى الأسفل

التفكر الايماني ودوره في البناء الفكري والحضاري للامة Empty التفكر الايماني ودوره في البناء الفكري والحضاري للامة

مُساهمة من طرف الدخلاوي علال الجمعة 28 سبتمبر 2012 - 17:04

بسم الله الرحمان الرحيم



مــوضوع العرض : التفكر الايماني ودوره في البناء الفكري والحضاري للأمة

من انجاز الطالب: الدخلاوي علال
شعبة الدراسات الاسلامية
جامعة ابن طفيل بالقنيطرة
حاور العرض :
مدخـــــل:
1 العــقل نعمة الهية والتفكير فريضة اسلامية

2 البعد التعبدي والتوحيدي في العملية التفكرية

3 القرآن الكـريم وبناء منهجية التفكـير

4 ضرورة تأسيس الفكر على قاعدة التفكر الايماني

5 أساس التفكر النظر في آيات الله الكونية والشرعية

6 جمالــــية التفكـــر الايمـاني

7 من البناء الفكري الى البناء الحضاري

خاتمة

المراجع

مدخل:
اذا كان الفكر الاسلامي بمنظومته وشموليته هو أساس البناء الحضاري للامة فالسؤال هو : على أي اساس ينبني هذا الفكر ؟نقول وبالله التوفيق : اساس هذا الفكر قائم على التفاعل بين العقل والوحي كما قال الدكتور حسن الترابي:"والفكر الاسلامي انما هو التفاعل بين عقل المسلمين وأحكام الدين الازلية الخالدة"تجديد الفكر الاسلامي .ص:4 وان شئنا أن نقول بعبارة ادق ان الفكر الاسلامي قاعدته ومرجعيته التي اسس عليها وينبغي أن يعود اليها هي : قاعدة التفكر الايماني التي اس اساسها النظر في آيات الله الكونية والنظر في آيات الله الشرعية وعلى هذا يشمل الفكر الاسلامي التفاعل العقلي مع النقل أو الوحي والتفاعل العقلي مع الكون.
والتفكر الايماني لا يقصد به فقط التفاعل العقلي بين هذا وذاك بل لابد أن تمتزج هذه المعرفة العقلية بالمعرفة القلبية الايمانية وهذا الذي غاب عن الفكر الاسلامي اليوم مما جعل المنظومة الفكرية مختلة وغير متزنة وغير صالحة للبناء الحضاري. وعندنا حكمة تقول :" البدايات عنوان النهايات", وهذه الحكمة تنطبق تمام التطابق على ازمة امتنا الحضارية اليوم فأساس الازمة هو ان البناء الفكري الذي على اساسه تقوم للامة حضارة انحرف عن مساره الصحيح وكان نتيجة ذلك تخلف الامة عن ركب الامم المتحضرة وتلك نتيجة حتمية لهذا الانحراف
فلا الايمان وحده ينهض بالامة ويعيد لها مجدها ولا العقل وحده يفعل ذلك بل نهوض الامة يحصل حينما تتفاعل الحركة العقلية مع الحركة الايمانية الوجدانية وساعتها فقط ولا غير تتحرر الامة من جميع قيودها وتصنع كيان نفسها بنفسها
وهذا هو الحل للخروج بالامة من ازماتها الراهنة ,فلقد اهتدى الجيل الاول بنور القران فانصلح حاله وساد الارض في سنوات معدودة وبغير هذا النور الرباني لن ينصلح حالنا ورحم الله مالكا لما قال : " لا يصلح حال هذه الامة الا بما صلح به اولها" ..وما صلح اولها الا بالقران ومن هنا كانت ضرورة الرجوع الى المنهج القراني الفريد الذي يؤسس للبناء الفكري والبناء الحضاري

2 العقل نعمة الهية والتفكر فريضة اسلامية:

اذا كان العقل هو القوة المدركة التي بها يعقل الانسان ما حوله وهو اعظم نعمة انعم الله بها على الانسان بعد الاسلام فان القران قد دعا الانسان لتوظيف عقله
ومما لاشك فيه ان الانسان كلما وظف عقله كلما تحقق نضجه ونموه العقلي وزادت معرفته بالله وخشع له وصدق الله القائل :" انما يخشى الله من عباده العلماء" . فاطر 28
ومن هنا كان العقل نعمة الهية والدعوة الى التفكر فريضة اسلامية دعا اليها القران كما قال العقاد رحمه الله
بل نجد الامام الغزالي رحمه الله يعد التفكر أحد المنجيات العشرة الكبرى في كتابه الشهير احياء علوم الدين وفيه يروي عن السلف "تفكر ساعة خير من قيام ليلة"بل قال بعضهم "تفكر ساعة خير من عبادة سنة ّ
قال تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ{190) (آل عمران190).
وأولو الألباب هم العقلاء حقا فهم كما قال تعالى: (وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ {191}) (آل عمران191) تفكر علم وبحث ودراية واستكشاف وتقص، فيكون الاستنتاج العام لبحثهم وتفكرهم قولهم: (رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ) (آل عمران/191).

2 البعد التعبدي والتوحيدي في العملية التفكريــــــــــة:

ان العملية الفكرية عندنا في الاسلام قبل ان تكون ممارسة عقلية مجردة فهي عملية قلبية ايمانية وهذا ما يعطي للفكر بعدا تعبديا وصبغة توحيدية فالتفكر في جوهره فكر وذكر وبه تتحقق عبادة الجسد كله ويعتبر الامام الغزالي ان التفكر خير من من الذكر لانه في حقيقته ذكر وزيادة ومن هنا أثنى الله على الذاكرين المتفكرين لجمعهم بين الفضيلتين قال تعالى :الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والاض"191 آل عمران الاحياء ج:5 ص:92
ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم دائم التفكر والذكر امتثالا للآيات القرآن الكريم فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : بت عند خالتي ميمونة رضي الله عنها فتحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أهله ساعة ثم رقد فلما كان ثلث الليل الآخر قعد فنظر الى السماء فقال :" ان في خلق السموات والاض واختلاف الليل والنهار لآيات لاولي الالباب190 الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والارض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار 191. آل عمران ثم قام فتوضأ واستن "تسوك"فصلى احدى عشرة ركعة ثم أذن بلال فصلى الصبح. رواه البخاري
فالملاحظ من هذه الرواية أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين نظره الى السماء وتفكره في خلقها وبين قيامه لله قانتا وكأن التفكر والتأمل لعظيم صنع الله في خلقه يدفع القلب لتعظيم الخالق سبحانه والجسد لمزيد من العبادة لرب العالمين "منهج القرآن في تربية النبي صلى الله عليه وسلم "ص:41

3 القرآن الكريم وبناء منهجية التفكير :

لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصاعلى وحدة التلقي وصفاء المنبع الذي يستقي منه الصحابة رضي الله عنهم فكان دائم التوجيه لهم بعدم الانشغال بغير القرآن ولا يفهم من هذا انه صلى الله عليه وسلم كان ينفي مصادر المعرفة الاخرى كيف وهو القائل : الحكمة ضالة المؤمن لايضره انى وجدها اخذها " وانما كان قصده صلى الله عليه وسلم ان يؤسس للصحابة منهجا يقوم عليه تفكيرهم ويحصنهم من جراثيم الافكار المسمومة فالقرآن جاء بمنظومة منهجية شاملة تؤسس للفكر المستنير الذي لا يطغى فيه الجانب المادي على الجانب الروحي
فعن جابر ابن عبد الله ان عمر ابن الخطاب اتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب اصابه من بعض اهل الكتاب فقرأه على النبي صلى الله عليه وسلم فغضب اشد الغضب وقال: أمتهوكون فيها يابن الخطاب؟والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية لا تسألوهم عن شئ فيخبروكم بحق فتكذبونه او باطل فتصدقونه والذي نفسي بيده لو ان موسى حيا ما وسعه الا ان يتبعني" رواه الامام احمد
يقول سيد قطب رحمه الله في تعليقه على الحديث:" اذن فقد كان هناك قصد من رسول الله ان يقصر النبع الذي يستقي منه ذلك الجيل في فترة
التكوين الاولى على كتاب الله وحده لتخليص نفوسهم له وحده ويستقيم هواهم على منهجه وحده ومن ثم عقب ان رأى عمر يستقي من نبع آخر غير القران فلقد كان رسول الله يريد صنع جيل خالص القلب خالص التصور خالص الشعور خالص التكوين من اي مؤثر اخر غير المنهج الالهي الذي يتضمنه القران." معالم في الطريق ص13و 14
ولهذا سمي جيل الصحابة بالجيل القرآني جيل صنعه وصاغه القران فكانوا اهلا لهذه الصفة وأهلا لتمكين الله لهم في الارض ولكن لما حادت الامة عن هذا المنهج ضلت وجهتها وضعفت قوتها ولاتزال حائرة الى اليوم ماذا هي فاعلة
يقول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله :" هجر المسلمون القران الى الاحاديث .. ثم هجروا الاحاديث الى الى اقوال الائمة .. ثم هجروا اقوال الائمة الى اسلوب المقلدين .. وكان تطور الفكر الاسلامي على هذا النحو وبالا على الاسلام واهله روى ابن عبد البر عن الضحاك ابن مزاحم "يأتي على الناس زمان يعلق فيه المصحف حتى يعشعش عليه العنكبوت لا ينتفع بما فيه وتكون اعمال الناس بالروايات والاحاديث ". فقه السيرة 42 و43
غير ان الازمة مع القرآن اليوم ليست فقط في المعرضين عن القرآن وعن التفكر فيه بل المشتغلون بالقرآن
هم انفسهم يعيشون" ازمة منهجية في التعامل مع القرآن وبياناته النبوية ذلك انهم يشتغلون حول القرآن وليس بالقرآن وفي القرآن
وبينهما فرق كبير
ان الذي يشتغل بالعمل حول النص الشرعي معناه انما هو يتخذ شعارا فقط ربما من حيث لا يدري لانما هو في الواقع يشتغل بمجموعة من الافكار المجردة والآراء الشخصانية او الجماعية ولذلك فانك تجد عملية تداول القرآن ومكابدته في مثل هذا الصف ضعيفة جدا ان لم تكن منعدمة ! لان التحقق برسالات القرآن وبحقائق الوحي ليس مقصودا لذاته في حركة ذلك العمل وفي ذلك ما فيه من مثالم ومخارم ! اما الاشتغال بالقرآن وفي القرآن فهو عمل يتخذ كتاب الله اساس مشروعه وصلب عمله ومنهاجه ,تلاوة وتزكية وتعلما وتعليما, انه دخول في مسلك القرآن تلقيا لآياته وخضوعا لحركته التربوية في النفس ومكابدة لحقائقه الايمانية واستيعابا لاحكامه وحكمه في طريق حمل النفس على التحقق بمنازلها والتخلق بأخلاقها
ان السير العملي في ميدان الدعوة والتربية على المنهاج هو عين الالتزام بمنهاج النبوة في اصلاح النفس والمجتمع انه تمثل حقيقي بحياة الصحابة الكرام واتباع للطريقة العلمية الحقة في تجديد الدين سواء على المستوى الفردي او الجماعي" . هذه رسالات القرآن .ص12و13

4 ضرورة التأسيس الفكري على قاعدة التفكر الايماني

لقد امرنا الله عز وجل بالتدبر في كتابه وامرنا من خلال كتابه بالتدبر في كونه وخلقه أمرا يأتي في سياق الاستفهام الانكاري :"افلا يتدبرون القران ام على قلوب اقفالها " والاية توري بطريقة غير مباشرة وتكني بأن حاصل من لا يتدبر هو الختم على قلبه والعياذ بالله وهكذا تصبح الحالة الفكرية السلبية مؤشرا على الحالة الايمانية السلبية فيما نفهمه من هذه الاية الكريمة .
هذا منهج القرآن فما عن المنهج النبوي ؟
اننا نجد الرسول صلى الله عليهوسلم في سلوكه وحاله ومقاله وسيرته قبل البعثة وبعدها يدعو الى التفكر والتدبر ويمارسه ويستثمره وينجزه في ارض الواقع منهج دعوة وواقع دولة فهو الذي قرأ قوله تعالى : "ان في خلق السموات والارض واختلاف الليل والنهار لآيات لاولي الالباب)190( الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات وارض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار)191( " آل عمران. يقول معقبا في خشوع وتهيب من هذه الايات الكريــمات "ويــــل لمن قرأهــن ولم يتفكر فيـــهن"
ومما لاحظناه في آية " افلا يتدبرون القران" من ربط بين الحالة الايمانية بالحالة الفكرية يتأكد ايضا في الاية الثانية وفي تعليق رسول الله صلى الله عليه وسلم فالذين يتفكرون في خلق السموات والارض هم الذين يبيتون لربهم قياما ويذكرونه ويخشونه ويخافونه وليس المقصود من هذين السياقين والتعليق النبوي مجرد التدبر الايماني المحض فهذا من ضروريات تصحيح العقيدة ومن مستلزمات قيامها اصلا وانما يراد بذلك ايضا التفكر العقلي الخالص والتامل الذهني العميق الذي يفضي الى الكسبل المعرفي الصحيح". مقتبس من مقالة للمفكر المغربي ابو زيد المقرئ الادريسي بعنوان منهجية التفكير في القرآن

وفي هذا السياق لا يفوتني أن استحضر مشروع المرحوم فريد الانصاري الذي عاش لاجله ومات وهو يوصي به والالتفاف عليه الاوهو "مــــشروع من القرآن الى العــمران"

وهو مشروع هدف من ورائه رحمه الله الى اعادة احياء القرآن قراءة وتدبرا وتخلقا في النفس وفي المجتمع ولذلك جاءت جل كتاباته تابعة لهذا المفهوم من القران الى العمران خصوصا كتبه بلاغ الرسالة القرانية, ومجالس القران, والفطرية .
يقول رحمه الله: " اننا قررنا ان ننطلق من القران الى العمران على منهج رسول الله في سيرته ودعوته هذا هو
الطريق ان شاء الله فلن نصدر كتبنا الدعوية بعد اليوم ولا تجاربنا العملية ان شاءالله الا بهذا المنهج وعلى اساسه تصورا وتطبيقا" بلاغ الرسالة القرانية ص15

5 أساس التفكر النظر في آيات الله الكونية والشرعية :
اذا كان التدبر هو المنهج الرباني لقراءة الكريم فان التفكر هو المنهج الرباني لقراءة الكون. والتدبر والتفكر كلاهما يخلص الى النتيجة ذاتها الاوهي :الاتعاظ والاعتبار , يقول ا لشيخ فريد الانصاري رحمه الله : ان مصطلح التدبر في القرآن قريب من مصطلح التفكر وان لم يكونا مترادفين فكأن التدبر ينصرف استعماله غالبا الى تأمل القران بينما التفكر ينصرف استعماله الى تأمل الكون المنظور قال تعالى : "ان في خلق السموات والارض واختلاف الليل والنهار لايات للاولي الالباب 190الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والارض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار191"ال عمران
وعند التامل نجد ان نتيجة كل من التفكر والتدبر واحدة الاوهي الاتعاظ والاعتبار وهو ما حكاه الله عن الذاكرين المتفكرين" ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار "
فالتدبر والتفكر كلاهما يؤولان الى مصطلح قراني مركزي ثالث الا وهو التذكر بالذال المعجمة او الادكار بالدال المهملة ومشتقاتهما وهما سواء قال تعالى :" كتاب انزلناه اليك مبارك ليدبروا اياته وليتذكر اولو الالباب" ص ـ 29
وقال تعالى : ولقد يسرنا القران للذكر فهل من مدكر القمر17
وانما يختص التدبر بتحصيل الذكرى عن طريق النظر في الايات الشرعية بينما يختص التفكر بتحصيل الذكرى عن طريق التامل في الايات الكونية. "هذه رسالات القران فمن يتلقاها " ص: 71 و 72 و 73
ولقد كان للشيخ فريد الانصاري رحمه الله صولات وجولات مع التفكر في آيات الله بقسميها الكوني والشرعي فلنستمع اليه وهو يتحدث عن جمالية التفكر الايماني من خلال كتابه جمالية الدين معارج القلب الى معارج الروح تحت فصل : جمالية التفكر الايماني

6 جمالية التفكر الايماني

من أسرار هذا الدين ولطائفه أن باب عقيدته هو التفكر. قال عز وجل في مخاطبة المنكرين عبر رسوله الكريم: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا للهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا﴾(سبأ:46). آية في غاية الجمال والسمو. وإني أشهد أني مذ ذقتها وجدت أن بها بحرا من الأسرار التربوية لا يعلم مداه إلا الله. وإن لها لذوقا وجدانيا خاصا

التفكر
أرأيت كيف أن الله تعالى يخاطب هؤلاء، بالقيام له، والتفرغ لشأنه، قبل الإيمان به؟ وذلك حتى يمكنهم من الوصول إلى حقيقة الإسلام، هذا الدين الذي هم له منكرون. وقد شرط الله عليهم شرطا في كيفية القيام له: وهو الخلوة به وحده سبحانه. والعدد الوارد في الآية: ﴿مَثْنَى وَفُرَادَى﴾ على حقيقته، إذ ليس هناك في السياق ما يصرفه عن هذه الحقيقة. لكن لماذا التنصيص على الفردانية، أو الثنائية، بالضبط؟ لماذا كان ذلك شرطا لتوقيع "التفكر"؟ إنه أمر عجيب.
العقل آلة تلتقط الحقائق، وتعقلها، ولكنها لا تتخذ القرار. وإنما الذي يتخذ القرار هو القلب بمعناه القرآني الخاص: ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفالُهَا﴾(محمد:24)، ومنه قوله تعالى: ﴿لَهُمْ قُلُوبٌ لاَ يَفْقَهُونَ بِهَا﴾(الأعراف:179). فإذا كان القلب محجوبا بحجب المادة والكثرة عجز عن الوصول إلى ما يعرضه عليه العقل من صور معقولات. فلا يتخذ القرار المناسب في الوقت المناسب. ومن هنا كان جوهر التفكر في القرآن قلبيا. ولذلك فقد وجدناه ينتج عنه شعور قلبي هو الخوف نظرا لرهبة القلب مما يحلله له العقل ويعرضه عليه من صور. وذلك نحو ما في الآية السابقة من سورة سبأ، إذ قال سبحانه في تتمتها: ﴿مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ﴾(سبأ:46)، وأظهر منه آية التفكر في سورة آل عمران: ﴿وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾(آل عمران:191). إنه شعور الوجدان بهول الحقيقة وعظمتها، ولذلك قلت "إن التفكر فعل وجداني في العمق".
وهو لذلك لا يقع من الناس إلا آحادا، وإن حكي عنهم بضمير الجماعة، كما في الآية الأخيرة، فإنما المقصود أنه يحصل ذلك منهم فرادى لا مجتمعين، كما يدل عليه أول الآية: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ في خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ﴾(آل عمران:191). فهذه صور تحيل على الناس وهم في شؤونهم الخاصة، بين منازلهم وأفرشتهم ونومهم وقيامهم. وأغلب ذلك كله أحوال فردية. والآية الأولى ﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا للهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا﴾(سبأ:46) نص في فردانية فعل التفكر. أما الثنائية "مثنى" فهي ملحقة من حيث الفائدة بالفردانية. والمثنى في العربية ملحق بالمفرد. وإنما يبدأ الجمع في اللغة بالثلاثة. ثم إن التفكر بين اثنين "نجوى"، وهي أشبه ما تكون بتحديث الفرد نفسه. أما فائدة ذلك فهي أن التفرغ لله عز وجل في خلوة، لا يكدر صفوها عليك أحد من الخلق، يتيح للقلب أن يتفاعل في صفاء مع معطيات الفكر، ويتواجد متلذذا بمواجيد الشعور بمعية الله، وحقائق الكون الكبرى. ومثل ذلك لا يحصل في لغط النقاش الجماعي، وضوضاء الجدل المتعدد.

رفيق النجوى
نعم رفيق النجوى، وهو الثاني (مَثنَى)، يكون معك على موجدة واحدة في التأمل، وتبادل المشاعر والمواجيد. تماما كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يخلو لربه فردا، أو مع صاحبه أبي بكر الصديق رضي الله عنه أحيانا، أو غيره من الصحابة الكرام. فإذن تكون أبواب القلب أكثر انفتاحا لتقبل ما يلقى عليها من واردات الحب، والشوق، والمعرفة الربانية.
ومما يزيد هذه الآية دقة فيما نحن فيه التعبير بـ"ثم" التي تفيد الترتيب. فكأنه تعالى جعل شكل التفكر ﴿مَثْنَى وَفُرَادَى﴾ هو الكفيل وحده بنجاح عملية التفكر، ولذلك قال سبحانه: ﴿ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا﴾.
﴿قُلْ إنَّمَا أعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ﴾ فعل واحد لا ثاني له، كفيل بأن يقود الإنسان إلى الحقيقة: التفكر. هل خلوتَ بنفسك يوما؟ أو ناجيت رفيقا لك في أمر الكون والحياة والمصير؟ عندما يمتد الفكر سائحا في أقاضي الكون يضل ويتيه. وأنَّى له أن يهتدي في دروب ومسالك ينتهي الخيال ولا تنتهي منافذها؟! إذن يرجع الفكر منكسرا عاجزا. وإن ذلك لعمري هو الإسلام؛ الخضوع للعظمة المطلقة فوق الزمان والمكان، والاعتراف بالقصور عن الإحاطة؛ ولا بأي طرف من أطرافها. ﴿مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ﴾(الملك:3-4). الرجوع إلى الصف الآدمي للانضمام إلى سلك "العادة الطبيعية"، رجوع في العمق إلى مقام الخدمة والعبودية. موجدة ليست في حاجة -حينئذ- إلا إلى الإفصاح والتعبير: "لا إله إلا الله".
وهنا يكمل جمال الدين، الدفء الحاصل عند الشعور بالانسجام مع سائر الخلق السيار، كل في سربه وفلكه: ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لاَ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورً﴾(الإسراء:44). هذا التوحيد الكوني في التعبير، بل هذا التناسق الكلي في نفث المواجيد، عبر شتى ألوان العبادة، له ذوق "الأنس" الذي يملأ القلب نشاطا وحبا للحياة الممتدة طولا وعرضا. جمالية الدين.ص:105و106و107
ان تنمية الاحساس الجمالي عند المؤمنين فيه تنمية للملكات والقدرات والطاقات التي انعم الله بها عليهم وعلى راسها القدرات الفكرية والعقلية

7 من البناء الفكري الى البناء الحضاري

ان الفكر المؤسس على قاعدة التفكر الايماني هو الكفيل باخراج الامة من غياهب وظلمات التخلف والاندحار والرجوع بها الى سالف عزتها وكرامتها وحضارتها ورحم الله الامام مالكا لما قال :" لا يصلح امر هذه الامة الا بما صلح به اولها"
فهذه الكلمة كانت ولازالت شعارا لكل رؤية اصلاحية جادة فالحضارة في أساسها هي ابداع الامة في عالــم الافكــاركما يقول الدكتور محمد عمارة
يقول مالك بن نبي في كتابه مشكلة الافكار في العالم الاسلامي وهو يستند الى مفاهيمه الرئيسية: عالم الافكار , عالم الاشخاص , عالم الاشياء: "هكذا كان وجه ذلك المجتمع الجاهلي المنغلق على نفسه والذي تتلاشى على ارباضه حركات المد والجزر التاريخية للامم العظيمة التي جاورته ... وفجاة اضاءت فكرة في غار, غار حراء..,حمل وميضها رسالة بدأت بكلمة" اقرأ" مزقت هذه الكلمة ظلمات الجاهلية , وقضت على عزلة المجتمع الجاهلي ورأى النور مجتمع جديد متفاعل مع العالم ومع التاريخ فشرع يهدم ما بداخله من حدود قبلية ليؤسس عالمه الجديد من الاشخاص حيث اضحى حاملا رسالته ليبني عالما جديدا تتمحور فيه الاشياء على الافكار" مشكلة الافكار في العالم الاسلامي ص 39و40
فمن خلال هذا النص نستطيع ان نؤكد بان الرؤية الجديدة التي تلقاها ذلك الجيل والقائمة التفكر الايماني في نصوص الوحي هي التي نقلته من مرحلة التخلف العقلي الى مرحلة النشاط العقلي الواعي ومن مستوى الانفعال بالواقع الاجتماعي الى مستوى صنع الاحداث الكبرى وتوجيهها والارتقاء بالامة الى درجة الشهود الحضاري
يقول سيد قطب رحمه الله في كتابه دراسات اسلامية وهو يبين كيف حول النبي صلى الله عليه وسلم امة كانت على هامش التاريخ الى امة تصنع التاريخ " انتصر محمد صلى الله عليه وسلم يوم صنع أصحابه صورا حية من الايمان يوم صاغ من كل واحد منهم قرآنا حيا يدب على الارض يوم جعل من كل فرد نموذجا مجسما للاسلام يراه الناس فيرون الاسلام فالنصوص وحدها لا تصنع شيئا وان المصحف وحده لا يعمل شيئا حتى يكون رجلا وان المبادئ وحدها لا تعيش الا أن تكون سلوكا ومن ثم جعل محمد صلى الله عليه وسلم هدفه أن يصنع رجالا لا أن يلقي مواعظ وأن يصوغ ضمائر لا أن يدبج خطبا وأن يبني أمة لا أن يقيم فلسفة أما الفكرة ذاتها فقد تكفل بها القرآن الكريم وكان عمل محمد صلى الله عليه وسلم أن يحول الفكرة المجردة الى رجال تلمسهم الايدي وتراهم العيون "دراسات اسلامية ص:27

واخيرا اختم فاقول : ان الفكرالاسلامي اذا لم يتاسس على قاعدة صلبة ومتينة قائمة على التفكر الايماني الذي تتفاعل فيه القدرة العقلية مع المعرفة القلبية الوجدانية فكر لا يسمن ولا يغني من جوع ولو كانت له صفة الاسلامي والفكر الذي يبقى حبيس العقول ولا يخرج الى ساحة الوجود ولا يؤسس لبناء حضارة فكر بعيد كل البعد عن دائرة الفكر الاسلامي اذ " لا فائدة لحكم لايتحقق له مناط مطلقا في حياة الناس فالدين في اساسه جاء ليكون حركة انسانية في الزمان والمكان لا نصوصا تتلى فقط ولا قصصا تحكى فحسب فالامانة التي حملها الانسان عمل :" وقل اعملو فسيرى الله عملكم ورسوله والمومنون وستردون الى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون .التوبة 105 بلاغ الرسالة 153
والسلام عليكم ورحمة الله

المصدر والمراجع:
1ـ تجديد الفكر الاسلامي للدكتور حسن الترابي
2ـ احياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي
3 ـ منهج القرآن في تربية النبي صلى الله عليه وسلم للدكتور رشيد منصور
4 ـ العودة الى القرآن لماذا؟ وكيف؟للدكتور مجدي الهلالي
5ـ معالم في الطريق لسيد قطب
6ـ فقه السيرة للشيخ محمد الغزالي
7ـ هذه رسالات القرآن للدكتور فريد الانصاري
8ـ منهجية التفكير في القرآن مقالة للدكتور المقرئ ابو زيد
9ـ بلاغ الرسالة القرآنية للدكتور فريد الانصاري
10ـ جمالية الدين لفريد الانصاري رحمه الله
11ـ مشكلة الافكار في العالم الاسلامي لمالك ابن نبي
12ـ دراسات اسلامية لسيد قطب رحمه الله







[justify]
الدخلاوي علال
الدخلاوي علال
عضو نشيط
عضو نشيط

ذكر
تاريخ التسجيل : 28/09/2012

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى